عندما يبتلى الإنسان بـ"هم" من الهموم أو "مصيبة" من مصائب الدنيا يعتقد أن العالم بأسره يشعر بها أو مهموم بها أو على الأقل يعانيها مثله، إلا أن الواقع خلاف ذلك، حيث يوجد بون شاسع بين هموم الإنسان في الدول العربية والإسلامية وهموم البشر الآخرين خاصة في الغرب، وتحديداً دول "العالم الأول"، ونظراً إلى أن معظم همومنا صنعناها بأيدينا، لذا فمن المؤكد أنها لا تشغل أي حيز في فكرهم إلا بقدر ضئيل يتساوى مع حقيقة ما يؤثر به العرب والمسلمون على مصالحهم الحيوية وأهدافهم الاستراتيجية وطموحاتهم الكونية، والتي باتت اليوم في أيدي "الإرهابيين المسلمين العرب"، والتاريخ بحقبه المختلفة، يؤكد هذه الحقيقة الدامغة.
فماذا سنجد لو حاولنا الوقوف على الفرق الواقعي بين همومنا وهموم الآخرين في اللحظة الراهنة؟ ربما يقودنا ذلك إلى موقعنا الحقيقي على خريطة التاريخ، وفي الوقت ذاته نعرف المسافة التي تفصل بيننا وبينهم، ونقف بوضوح على موضع انطلاقهم، وأسباب تخلفنا.
فمن الناحية السياسية نجدنا مهمومين بقضايا وأزمات بعضها خارجي ومعظمها داخلي تبحث عن حل أو مخرج منذ عقود مضت من الزمن، إلا أننا لم نتوصل حتى الآن إلى علاج ناجع وشافٍ لها، بل ما زلنا ندور في حلقة مفرغة ومستمرة ليس لها نهاية في حديث لا يتوقف حول البحث عن حل لها، وكأننا ننتظر أن يأتينا "الفرج" على أيدي الآخرين، يأتي على قمتها الإصلاح السياسي الداخلي الذي بدأ الحديث عنه منذ عقود سحيقة مضت ولا زلنا نتحدث و"نجتر" ما تحدثنا عنه، وكذلك مسألة فك الارتباط بين الكرسي وصاحبه بالطرق السلمية، والبحث عن الحقوق الضائعة للشعوب التي صادرتها الحكومات منذ عصر "الحجاج"، واستعادة الدور الحقيقي لمؤسسات الدولة، والقضاء على الحكم التسلطي والاستبداد، وإيجاد مخرج لحسم العلاقة بين الديمقراطية والتنمية، وفك الطلاسم المرتبطة بحقوق الإنسان ومساحة حرياته، والتوصل إلى حل لجدلية الصراع بين الدين والدولة، ورأب الصدع في مسألة ترسيم الحدود بين الدول، ووضع نهاية للعملية المستمرة من افتقاد المبادرة والفعل في التعامل مع الأزمات الخارجية حتى يكون العرب فاعلين لا مفعولاً بهم.
في حين أن همومهم السياسية تنحصر في التمتع بما حصلوا عليه من حريات، والمشاركة في اتخاذ القرارات وممارسة الحقوق وأداء الواجبات، فهم مهمومون بممارسة إرادتهم السياسية الحرة في اختيار صاحب البرنامج الانتخابي الذي يمكنه أن يلبي مطالبهم، ويقدم لهم خدمات أكثر تطوراً، ويخفض التزاماتهم الضريبية، ويحقق طموحاتهم في حياة أفضل، والقيام بواجباتهم الرقابية للتأكد من التزامه بما وعد به أو يكون عليهم خلعه من منصبه بالطرق السلمية، كما أنهم يصرون دوماً على التعبير عن آرائهم ومواقفهم، ومهمومون بمدى استجابة حكوماتهم لاعتراضاتهم ونقدهم لسياستها ولا يخشون في الحق لومة لائم.
أما من الناحية الاقتصادية فحدّث ولا حرج فهمومنا لا تنتهي ومشاكلنا الاقتصادية ليس لها حل، فنحن نستهلك ما لا نحتاجه، ونعتمد على الآخرين فيما نأكله، ولدينا همّ بالليل ومذلة بالنهار في البحث عن لقمة العيش، ومواجهة الانكشاف الاستراتيجي الغذائي، ويزيد من الهمّ الخلل الفادح في الميزان التجاري فنحن نكتب ونتحدث عنه منذ نهاية الحرب العالمية الأولى، ناهيك عن بحثنا الذي لا ينتهي عن الانفتاح الاقتصادي الذي فقدنا "مفتاحه" بعد أن ضللنا الطريق الصحيح إلى "بابه"، والبحث عن حل لمعضلة الخصخصة، وإيجاد موطئ قدم وسط الدول "النايمة" الشهيرة بالنامية، وظللنا نفكر ونفكر لفهم مصطلح "العولمة".
بينما همومهم الاقتصادية تخطت حدود الممكن إلى آفاق أخرى لتطوير الإنتاج وتحسين جودته وخفض تكلفته وفتح أسواق جديدة لزيادة الصادرات، والتحول إلى اقتصاد المعرفة، وامتلاك القدرة التنافسية على المستوى العالمي، ووضع حلول مناسبة لمعوقات التجارة الخارجية، وبناء مصانع ووسائل نقل متطورة صديقة للبيئة، والتخلي عن الصناعات ذات التلوث العالي لصالح الدول النامية والمتخلفة، وتصدير النفايات النووية وشبه النووية إلى هذه الدول.
ومن الناحية الاجتماعية والصحية نجد أن همومنا ارتبطت بمعضلات الحياة اليومية من الازدحام والبحث عن حلول للبطالة المتزايدة والمستمرة، ومواجهة الخلل في التركيبة السكانية في دول الخليج، ومشكلات الزواج من الأجنبيات، و"البدون"، ودفع فاتورة استحقاقات التحولات السريعة من القبيلة إلى الدولة، وتوفير حد الكفاف من المياه النظيفة والخدمات الصحية، والبحث دائماً عن "شماعة" تستطيع حمل المشكلات الاجتماعية المتفاقمة وانحراف النشء، ودفن الرؤوس في الرمال حتى لا ترى أو تسمع أو تواجه احتياجات تطوير المجتمع العربي.
أما همومهم الاجتماعية والصحية، فتركزت منذ أزمان في زيادة عمر الإنسان، وتوفير أكبر قدر من الرعاية الصحية له، وتوفير المناخ الاجتماعي الملائم لإطلاق إبداعاته وممارسة هواياته، والمواجهة الحقيقية لمشكلاته الاجتماعية، والتربية الصحيحة للنشء.
أما النواحي