قبل سنوات ألف الصحافي الصافي سعيد كتابه الرائع حول الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة وعنونه بالعبارة أعلاه، وذلك في إشارة إلى التحريف الذي أجراه بورقيبة على سيرته الشخصية، وما فرضه من تعتيم وحظر على التعاطي مع الجانب الحقيقي من سيرته الشخصية. ولعلي لا أبالغ كثيراً حين أقول إن أوضاعنا في غالبية الدول العربية هي أيضاً سير مُحرَّمة على أي نوع من التناول والتشخيص الجاد والحقيقي. ففي أحد البلدان العربية مثلاً لا يمكن لأحد أن يوجه أدنى نقد للخدمات التي تقدمها أصغر مصلحة حكومية، وإلا كان ذلك نقداً للحزب وللسلطة العليا، وهو أمر دونه قطع الرقاب! وفي بلد عربي آخر لا يسمح بإجراء أي نوع من استطلاعات الرأي، حتى وإن تناولت مثلا آراء الناس حول مستوى الأسعار أو برامج التلفزيون أو رياض المدارس! وفي بلد عربي ثالث يمنع الاطلاع على أي تقرير عن أداء الاقتصاد الوطني!
وبعد، فهل يمكن أن نتعامل بشكل إيجابي وفعال مع واقع يحاط بقيود التحريم والمنع من كل جهة؟ وهل تستقيم أهداف التطوير والتحديث والتغيير مع واقع المنع الذي يحد من معرفة المواطن العربي لحقائق الواقع؟! إنها أوضاع تعيد إنتاج السيرة المحرَّمة لبورقيبة من حيث كونها يراد أن تعرف من منظور واحد ووفق رؤية محددة!
خميس بوكراع- ألمانيا