نجح الصهاينة في توظيف واقعة الإبادة النازية ليهود أوروبا في خدمة الصهيونية وإسرائيل، على الرغم من أن ظهور الصهيونية وتأسيس الدولة الصهيونية لا علاقة لهما بواقعة الإبادة، فقرار تأسيس الدولة الصهيونية يسبق ظهور النازية بعدة عقود.
وتتلخص الاستراتيجية الصهيونية فيما أسميه "أيْـقنة" الإبادة، أي تحويلها إلى ما يشبه الإيقونة. والإيقونة هي صورة ترمز إلى شيء متجاوز للطبيعة والتاريخ، يرى من يؤمن بها أنها مقدَّسة، بل وأنها تجسيد للإله، ومن ثم لا يمكن إخضاعها للتساؤلات الإنسانية العادية التي يمكن إخضاع أية ظاهرة إنسانية لها، كما لا يمكن مقارنتها بأية صورة أو ظاهرة أخرى، فالإيقونة مرجعية ذاتها، مكتفية بذاتها. وأيـْقنة الهولوكوست هي أيضاً في جوهرها خلع القداسة على أحداث ما يسمى "التاريخ اليهودى" وتكريس فكرة، أن اليهود هم ضحايا بطش "الأغيار".
ونحن نعلم أن واقعة الإبادة واقعة تاريخية زمانية- مكانية، حدثت لبشر يعيشون في الزمان والمكان لأسباب تاريخية واجتماعية وحضارية محددة، شأنها شأن أية ظاهرة إنسانية. ولكن بعد تحويلها إلى إيقونة مقدَّسة، أصبح الحديث عنها كظاهرة إنسانية أمراً مرفوضاً، إلى أن وصل الأمر إلى حد اعتبار التساؤل بخصوص بعض تفاصيل الإبادة منكراً يجب تحاشيه، بل وجريمة يعاقب عليها القانون تسمى "إنكار الإبادة". وقد استخدم الصهاينة الاتهام بإنكار الإبادة كآلية لتكميم الأفواه، وهذا ما حدث لروجيه جارودي وللمؤرخ البريطانى "ديفيد إرفنج" وللعديد من الباحثين قبلهما.
ويمكن للإعلام العربي والإعلام الغربي المناهض للصهيونية والعنصرية أن يتخطى هذه العقبة فينزع عن الإبادة هالة القداسة، ويقدم صورة مركبة لحادثة الإبادة تتجاوز الصورة المستقطبة (اليهود ضد الأغيار) التي تقدمها الحركة الصهيونية وذلك عن طريق نشر وثائق عن تعاون النازيين مع الصهاينة وعن قضايا أخرى وثيقة الصلة بهذه القضية، دون تعليق عليها والاكتفاء بالتعريف بها بحيث ندع الوثائق تتحدث بنفسها. وفي هذه الحالة لن يمكن اتهام ناشر الوثيقة بأنه أنكر الهولوكوست أو قلَّل من أهميتها، وتصبح القضية هي مناقشة الوثيقة.
وهناك الآن الكثير من الوثائق التي تتناول موضوع علاقة النازيين بالصهاينة تحتوي على حقائق يمكن أن يسبب نشرها كثيراً من الحرج للصهاينة. وأعتقد أن وثائق وزارة الخارجية الألمانية، والبولندية والروسية والسويسرية، تحوي الكثير من المعلومات، كما يمكن الاستفادة من أرشيف الـKGB وأرشيف الـCIA والأرشيف الإسرائيلي. وهناك مصادر يديشية كثيرة (واليديشية كانت لغة الغالبية الساحقة ليهود شرق أوروبا) تتناول نفس الموضوع. كما أن هوامش كثير من المراجع العلمية التي صدرت في الولايات المتحدة فيها إحالات لكثير من الوثائق والمقالات المهمة عن هذا الموضوع. وعدد الوثائق المعروفة لدينا كبير، كما يمكن اكتشاف وثائق أخرى أثناء عملية البحث. وفيما يلي بعض المواضيع التي يمكن للوثائق أن تغطيها:
1- اتفاقية الهعفراه: وهي اتفاقية تم إبرامها بين النازيين والصهاينة تم بمقتضاها نقل الألوف من اليهود (ورأسمالهم) إلى فلسطين في مقابل قيام الصهاينة ببذل الجهود لفك الحصار الاقتصادي الذي نظمته بعض الجماعات اليهودية في الغرب على ألمانيا النازية.
2- كتاب إدوين بلاك Edwin Black الترانسفير: The Transfer (Haavrah) ويتسم هذا الكتاب بأنه يتناول تفاصيل المؤتمر الصهيوني الثامن عشر والمؤامرات التي حاكها الصهاينة لتمرير قرارهم الخاص باتفاقية "الترانسفير". وقائمة المراجع التي يضمها هذا الكتاب تحتوي على عدد كبير من عناوين الكتب المهمة التي تتناول موضوع علاقة النازيين بالصهاينة والوثائق المتعلقة بالموضوع.
3- كتاب ليني برنر Lenni Brenner "الصهيونية في عصر الديكتاتورية": يوجد بهوامشه الكثير من الإحالات لوثائق تبين مدى عمق التعاون بين النازيين والصهاينة، كما أن "برنر" نفسه أصدر مؤخراً كتاباً آخر مهما بعنوان: واحد وخمسون وثيقة عن تعاون النازيين والصهاينة.
4- مجلة "يوديش روندشاو": وهي مجلة الحركة الصهيونية في ألمانيا النازية وتحوي الكثير من المقالات والبيانات المؤيدة للنظام النازي.
5- تصريحات الزعماء الصهاينة بعد وصول النازيين للحكم: حينما وصل النازيون إلى الحكم رحب كثير من الزعماء الصهاينة في ألمانيا بهم وأعلنوا التقاء الأهداف النازية بالأهداف الصهيونية. كما أدلى زعماء المستوطَن الصهيوني تصريحات تبين مدى عدم الاكتراث الصهيوني بيهود أوروبا والاهتمام بمستقبل المستوطَن الصهيوني دون سواه.
6- شخصيات صهيونية قيادية تعاونت مع النازيين مباشرة:
أ- الفريد نوسيج (1864– 1949): أحد مؤسسي الحركة الصهيونية. وضع خطة متكاملة لإبادة اليهود الألمان المسنين والفقراء (غير النافعين) وتهجير الباقين أو إبادتهم. وقد اكتشف أعضاء المقاومة اليهودية في "جيتو" وارسو تعاونه مع النازي وأنه عضو في "الجستابو"، فحُكم عليه بالإعدام رمياً بالرصاص ونُفِّذ الحُ