خلال إجازتي السنوية المعتادة لهذا العام، أتيحت لي فرصة الالتقاء بالعديد من الأصدقاء والمعارف في مجالسهم وتجمعاتهم، ولفت نظري كثيراً أن معظم الأحاديث التي كانت تدور، كان محورها السوق المالي وأسعار الأسهم والتعامل فيها. كان العديد من المتحدثين حول أسعار الأسهم يشتكون من التقلبات التي تتعرض لها أسعار الأسهم التي يمتلكونها، وقد أفصح البعض منهم عن خسائر بملايين الدراهم تكبدوها نتيجة لعدم استقرار السوق.
لقد كانت الدهشة والاستغراب يلمّان بي دائماً من الأحاديث التي سمعتها، فالبعض ممن كانوا يتحدثون عن خسائرهم التي وصلت إلى الملايين هم من الموظفين أو شبه العاطلين عن العمل أو المتقاعدين، الذين عرفت عنهم في الماضي أنهم لا يملكون سوى الراتب الذي يسد احتياجات أسرهم بالكاد، ولكن ها هم الآن يتحدثون عن خسائر جسيمة بلغت ملايين الدراهم، أو أرباح خيالية تحققت أثناء الطفرة الماضية. إن هذا شيء عجيب بالنسبة لي أنا موظف الحكومة الذي يعيش خارج الإمارات منذ مدة، ولا يعلم ما الذي يدور في خفايا سوق الأسهم. اللهم لا حسد، ولكن أليس ذلك بضرب من ضروب المغامرة التي قد تصيب أحياناً وتخيب أحياناً أخرى؟
إن استماعي إلى تلك الأحاديث جعلني مشدوداً بعفوية إلى سوق الأسهم، وأتابع أخبارها يومياً. ورغم أني لا ناقة لي ولا جمل بالنسبة لما يدور فيها، إلا أن الألوان الحمراء والخضراء التي كنت أشاهدها يومياً وتعكس هبوط أسعار الأسهم أو ارتفاعها بدأت باللعب بأعصابي والضغط عليها دون ما مبرر.
ومع هذا النوع من الأخبار "الطالعة والهابطة" كنت أشعر بالقلق، الذي ربما يكون لا مبرر له من شخص ليس له علاقة بما يجري في السوق سوى "الفرجة". ففي اليوم الذي يرتفع فيه المؤشر إلى أعلى وتصطبغ الشاشة باللون الأخضر، أشعر بالارتياح، وفي اليوم الذي يحدث فيه العكس وتصطبغ فيه الشاشة باللون الأحمر، أشعر بشيء من الضيق. ولا أخفيكم سراً حين أقول لكم إنني لا أعلم ما هو سبب ذلك الارتياح أو الضيق، فأنا لن أحقق عندما يكون اللون أخضر أية أرباح، وبنفس الطريقة لا أحقق عندما يكون اللون أحمر أية خسائر.
ربما كان سبب تأرجح مزاجي بتلك الطريقة هو حبي للون الأخضر، ولكني في نفس الوقت لا أكره اللون الأحمر، وإن لم أكن أحبه كثيراً، فإني حيادي تجاهه. فما هو السر يا ترى؟ سؤال محير، أليس كذلك؟ الواقع هو أن الإنسان منا لا يحب أن يسمع الأخبار غير السارة أياً كان مصدرها وإن لم تكن ذات علاقة به. وبالنسبة لسوق الأسهم بالتحديد فإن تراجع مؤشراتها يعني أن الآلاف من حملة الأسهم من شباب الإمارات قد خسروا، وارتفاع مؤشراتها يعني العكس، وكلا هذين الأمرين يعنيان شيئاً مهماً بالنسبة لهؤلاء الشباب الذين يخوضون غمار هذه السوق بوسائل مالية شتى.
إن العديد من هؤلاء لم يدخلوا السوق برؤوس أموال ادخروها أو هبطت عليهم من السماء، بل إنهم إما اقترضوها من البنوك، وهو أمر ليس بالهين عندما تهبط قيم الأسهم المشتراة، لأن تلك القروض تحتاج إلى خدمة الدين وإلى التسديد عندما يحل موعد السداد، أو أنهم قاموا برهن بيوتهم التي يسكنونها أو أملاكهم الأخرى إن وجدت، أو أنهم في أسوأ الأحوال، قاموا برهن أو بيع مصوغ زوجاتهم أو غير ذلك من وسائل لتوفير المال اللازم لشراء الأسهم، وكلها أمور كارثية إن لم يحقق الواحد منهم أرباحاً من خوضه في سوق الأسهم.
والواقع هو أن لعبة سوق الأسهم بالشكل الذي لمسته من مراقبتها مع بداية عام 2006، تعتبر خطيرة وسلاحاً ذا حدين، جانبه المُشرق يظهر حينما يتم تحقيق الأرباح، ولكن جانبه الآخر الذي اتضح أنه السائد في أغلب الأوقات خلال يناير 2006، ربما هو الذي جعلني أتعاطف مع مئات الشباب الذين قد يكونون غارقين في الديون بسبب دخولهم سوق الأسهم وخسارتهم فيها. فيا أيها الشباب انتبهوا جيداً، فهذه السوق لا تطعم شهداً على طول الخط، وقد تسقي البعض منكم علقماً لا تنفع معه الندامة.