أثارت دعوة بن لادن أنصاره للتوجه إلى دارفور قدراً كبيراً من القلق والتوجس وسط قيادات الإسلامويين السودانيين، وبدأ التشاور سراً لتقدير الموقف من كل جوانبه والاستعداد له. لقد جاء كلام بن لادن مفاجئاً فقد قدر القادة السودانيون أنهم تخلَّصوا منه إلى الأبد أو أنهم حموا أنفسهم ونظامهم بالتقرب الذي قاموا به وقدموا فيه أطناناً من الوثائق التي تكشف كل ما يعلمونه عن أسرار الحركات الإسلامية المتطرفة.
وهكذا بعد صمت طويل امتد لنحو عشر سنوات منذ أن أُبعد بن لادن من السودان يتضح أن زعيم تنظيم "القاعدة" قرر أن ينشط في ملف السودان مستغلاً ما هو جارٍ الآن في العراق.
وهنا يبرز السؤال الأول: هل هناك خلايا نائمة لتنظيم "القاعدة" في السودان؟ وهل سيكون ممكناً لخلايا أخرى في بلد من بلدان المنطقة أن يتسلل أعضاؤها إلى داخل السودان؟ للإجابة على السؤال الأول نقول إنه ليس يقيناً وجود خلايا سرية في السودان، وإن كان الواقع يقول إن هناك جماعات صغيرة هنا وهناك تؤمن بأكثر الأطروحات تطرفاً عموماً. أما احتمال تسلل أعضاء من "القاعدة" إلى داخل السودان فليس أمرا مستحيلاً مع وجود عشر دول مجاورة للسودان، وامتداد الحدود المشتركة لمئات الأميال، واستحالة الرقابة الصارمة عليها في كل حين. إن زعيم تنظيم "القاعدة" المختبئ في جبال أفغانستان لا يتحدث في شريطه الأخير عن دارفور وحدها، ولكنه يذهب أبعد من ذلك ويعلن رفضه لاتفاقية "نيفاشا"، مما يجعل مواجهته قائمة مع أغلبية أهل السودان في الشمال وفي الجنوب.
ولنعد إلى الوراء قليلاً إلى أسبوعين أو ثلاثة لنجد أن إلهاب العواطف وإثارة الهوس الديني كانا من صنع أطراف في السودان وتدبيرها، ففي تلك الأيام القريبة أشرفت تلك الأطراف على تنظيم عشرات المظاهرات الصاخبة في كل أنحاء السودان الشمالي، استنفاراً للناس ضد التدخل الأجنبي الدولي المحتمل في دارفور.
وليس سراً أن بعض تلك المظاهرات كانت تتحدث صراحة عن "الجهاد" في دارفور وإبادة القوات الأجنبية إبادة كاملة دفاعاً حسب ما قالوا عن الوطن والعقيدة.
إن أزمة دارفور واستمرار تدهور الوضع فيها قد نالا من اهتمام العالم وانتباهه ما لا يحتاج إلى إيضاح، ولكن الجديد أن دعوة بن لادن الأخيرة ستلفت الأنظار مرة أخرى لما يجري في دارفور، ومنه محاولات التوصل إلى اتفاق في العاصمة النيجيرية. وسيكون التركيز ساعة بساعة على ما يجري في ذلك الإقليم خوفاً من أن ينقلب الأمر إلى عراق آخر.
لقد حاول المتحدث باسم حكومة السودان أن يخفف من آثار مفاجأة تصريحات بن لادن فقال إن السودان حريص على علاقات دولية سليمة وإنه لا يهمه ما يقوله بن لادن. وقال ناطق عسكري إن القوات المسلحة السودانية قادرة على حماية الوطن في كل جزء منه.
إن ردة الفعل التي أحدثها شريط بن لادن وسط سياسيي السودان يمكن أن تكون لها آثار إيجابية إذا دفعت أولئك السياسيين لتقديم تنازلات في مفاوضات أبوجا مع المتمردين عسكرياً من أبناء دارفور حتى ينتهي الأمر إلى سلام يضمن نهاية الأزمة وبالتالي ينتفي التدخل الأجنبي ويبعد شبح تدخل "القاعدة".