المالكي... تباينات مع الجعفري ومصير العراق


خمسة عشر يوماً فقط هي المجال الزمني أمام رئيس الوزراء العراقي المكلف جواد المالكي حتى يشكل فريقه الحكومي، متجنباً تكرار الأخطاء التي وقع فيها سلفه إبراهيم الجعفري، حيث تتوجب إقامة "حكومة وحدة وطنية تحل مشاكل البلاد، وتضم كافة فصائل الشعب العراقي"، كما قال المالكي عقب خروجه من زيارة للمرجع الديني الشيعي آية الله علي السيستاني، يوم أول أمس الخميس. أنهى توصل الكتل النيابية في البرلمان العراقي يوم السبت الماضي إلى التوافق على ترشيح المالكي، أزمة سياسية ظلت تراوح مكانها منذ أربعة أشهر، حيث أعلن جلال الطالباني مباشرة بعد إعادة انتخابه من طرف البرلمان وتأديته اليمين الدستورية رئيساً للعراق: "بهذه المناسبة نكلف الأخ جواد المالكي بتشكيل الحكومة الجديدة".


وكان قادة "الائتلاف العراقي الموحد" قد أكدوا صباح ذلك اليوم، مصادقتهم على ترشيح المالكي لهذا المنصب بدلاً من الجعفري الذي تمسكت القوى السُّنية والكردية برفضها لإعادة ترشحه. لكن هل سيتمكن المالكي من إدارة الوضع العراقي بتعقيداته وأزماته المتفجرة؟ وماذا عن الخلفيات الحزبية والطائفية لرئيس الوزراء العراقي الجديد؟ وهل يملك من الخبرة وإرث العمل السياسي ما يؤهله لخلافة الجعفري؟


ما كان ينظر من قبل لجواد المالكي كمرشح محتمل لرئاسة الوزراء، إذ لم يكن له ظهور كبير في وسائل الإعلام كغيره من رجالات السياسة العراقيين، كما أنه أحد منتسبي "حزب الدعوة" الذين ينعتون بالطائفية... لكنه في المقابل كان أحد الفاعلين المؤثرين في كواليس الحياة السياسية طوال الفترة التي أعقبت سقوط نظام الرئيس السابق صدام حسين،؛ إذ شارك في كتابة الدستور الحالي، وعين نائباً لرئيس "لجنة استئصال البعث" التي شكلها الحاكم المدني الأميركي السابق بول بريمر، واختير نائباً في البرلمان المؤقت حيث ترأس لجنة الدفاع فيه، كما نال عضوية البرلمان الحالي أيضاً، ولعب دوراً أساسياً في إعداد وإقرار قانون محاربة الإرهاب الذي أثار اعتراضات قوية داخل الأوساط الحقوقية.


ويختلف جواد المالكي الذي ولد عام 1950 في مدينة الحلة الواقعة على بعد 100 كلم إلى الجنوب من بغداد، عن سلفه إبراهيم الجعفري في جوانب عديدة؛ فالجعفري طبيب، أما المالكي فحاصل على شهادة الماجستير في الأدب العربي من جامعة بغداد عام 1978. وفيما حافظ الجعفري على صورة القيادي المترفع والمنعزل عن القواعد الحزبية، يعتبر المالكي صاحب شخصية لطيفة، وقد عاش في أحيان كثيرة بين أعضاء حزبه البسطاء وبين عوائلهم، مما أكسبه صورة القيادي الحزبي المتواضع. وقد انتسب كل من المالكي والجعفري إلى حزب الدعوة في سبعينيات القرن الماضي، لكن الحزب تعرض للحظر وعانى أعضاؤه من التضييق والمطاردة على أيدي أجهزة أمن النظام السابق، فما كان من المالكي والجعفري إلا أن فرا إلى إيران، لتصدر محكمة الثورة بحقهما، فيما بعد، أحكاماً غيابية بالإعدام. في تلك الأثناء استبدلا اسميهما، وبينما احتفظ الجعفري باسمه الحركي حتى يومنا هذا، فقد استعاد المالكي اسمه الحقيقي، وهو نوري كامل المالكي، وذلك إثر تكليفه بقيادة الحكومة القادمة.


أقام الجعفري في طهران، أما المالكي فانتقل منها للعيش في دمشق، ما يدلل في نظر الكثيرين على العلاقة المستمرة بين الجعفري وقيادة النظام الإسلامي في إيران، خلافاً للمالكي الذي يقال أحياناً إنه يناهض أي دور لإيران في العراق، وإنه أحد الساسة الشيعة الأقل نزوعاً طائفياً، لذلك لم تتردد في الموافقة على ترشيحه لرئاسة الوزراء أي من الأطراف السُّنية أو الكردية، وكذلك القوات الأميركية أيضاً، إضافة إلى مؤيديه في الائتلاف الشيعي العراقي، بعد أن رفض الجعفري كل الدعوات التي طالبته بالتنحِّي! غير أن آخرين يعتبرون المالكي "داعية" للخط المتشدد في التركيبة السياسية الشيعية، إذ ظهر منذ سقوط النظام السابق وكأنه "حارس للائتلاف الشيعي", فهو داعية بارع لسياسات الائتلاف, يدافع عن مواقفه بكثير من الشراسة، كموقفه المؤيد لحل الجيش العراقي وسياسته الاستئصالية إزاء "البعث"، كما يفاوض أطياف التركيبة السياسية العراقية الأخرى بإصرار وعزم. وقد سعى المالكي طوال الأيام الأخيرة إلى تأكيد اختلافه عن الجعفري، فتعهد بمواجهة الفساد الإداري والتنصل من المسؤوليات، وبأن "الوزارات المقبلة لن تكون ملكاً للوزير أو انتمائه أو عرقه الطائفي، والوزير سيكون وزيراً للشعب"، قائلاً إنه سيختار "وزراء أقوياء نزيهين وتكنوقراط"، وإن وزارتي الدفاع والداخلية ستسندان إلى شخصيتين من المستقلين، بل تعهد أيضاً بحل الميليشيات المسلحة ودمجها في قوات الجيش والشرطة ودوائر الدولة... وذلك في نقد مبطن لعهد الجعفري. وإن كان الشعب العراقي غير معني مباشرة بأي مقارنات صورية بين المالكي والجعفري، فإن ما يهمه في المقام الأول هو إيجاد حلول للمشكلات الأمنية المتفاقمة، وال