التحول الديمقراطي العربي... مأزق مركب


--------------


كثرت الدعوة إلى الديمقراطية منذ أواخر القرن الماضي، ولاحت قيم التعددية الديمقراطية في الوطن العربي، وتعالت الأصوات تنادي بالانفتاح السياسي... وطرحت أفكار حول ذلك وقامت مناقشات، وقدمت مشاريع. بيد أنه قامت دون ذلك مآزق، فما هي أهمها؟ ولماذا وقعت؟ وما الأسباب الموجبة؟ كتاب: "عوائق التحول الديمقراطي في الوطن العربي"، يناقش هذه المآزق وتلك التحولات، من وجهتي نظر تتفقان أحياناً وتختلفان أحياناً أخرى، لمؤلفيه الدكتور سعيد بنسعيد العلوي والدكتور السيد ولد أباه. ففي محاولة لتقديم تفسير يشرح عوائق التحول الديمقراطي في الوطن العربي، يستعرض العلوي عدداً من الأسباب، في مقدمتها حداثة الدولة العربية من حيث كونها دولة ما تزال في طور البناء والتكوين، لاسيما أن عملية البناء جاءت مساوقة لحديث الاختراق الاستعماري وما أحدثه من تصدع في نظام الدولة وبنياتها الأساسية، وفي نظام المجتمع أيضاً، إذ كان لعملية التحديث تأثيرها المباشر في الدولة أكثر مما كان لها في المجتمع. أما العائق الثاني فهو نزوع الدولة العربية الشديد، سواء دولة الاستقلال أم دولة الثورة، إلى السيطرة بل الهيمنة التامة على إدارة الشأن العام، إذ كانت الكفة تميل لمصلحة الدولة المركزية الساعية نحو تجميع السلطة وتوحيدها وتركيزها باستمرار. والنتيجة لذلك هي غياب الحياة الحزبية السليمة والإبعاد القسري لشروط التحول نحو الديمقراطية. ورغم لجوء الدولة إلى القهر الشديد في معاملة منتقديها والمعترضين عليها، فإن المعوق الثالث هو الضعف الشديد الذي يميز هذه الدولة، ضعف يكمن مصدره، كما يري العلوي، في الافتقار إلى الشرعية التاريخية حيناً، وفي العجز الشديد عن الوفاء بمقتضيات الميثاق الوطني حيناً آخر. وهنا يرى العلوي أن الدفع بمركزة السلطة إلى أقصى حد، "لم يعمل على جعل خطاب المجتمع خطاباً خافتاً فحسب، بل إنه شجع ظهور نوع من الحال الغريبة في تصور الديمقراطية ذاتها، فيها مفاضلة بين الحاجيات الاقتصادية والتنموية والمطالب السياسية"!


أما الدكتور السيد ولد أباه، فيعتقد أن "عوائق التحول نحو الديمقراطية في الوطن العربي" عديدة، متنوعة الأوجه والخلفيات ولا يمكن اختزالها في استبداد الأنظمة، أو إرجاعها إلى عوامل متعالية في المستوى الثقافي والاجتماعي، فيقف عند هذه العوائق في مستويات أربع، أولها تركيبة المجتمع الأهلي والبنية العصبية التقليدية، أي المجال الذي اعتبره جمهرة المؤرخين والأنثروبولوجيين مضاداً لمفهوم الدولة كنظام جامع، فالمجتمع الأهلي يحيل إلى فعاليات المدينة الإسلامية وما تشمله من تنوع مهني وحرفي وإنتاجي وقبلي ومذهبي وقومي. ومن البديهي أن لهذا التنوع آثاره الحاسمة في علاقات المواطن الفرد بالنظام المركزي، بما في ذلك دور الحماية من بطش واستبداد الحاكم، وهو الدور الذي تلعبه أيضاً البنيات القبلية والعصبية، كتعويض واسع عن وظيفة المجتمع المدني الذي ما زال ضعيفاً وهشاً في الأقطار العربية. من هنا فإن القبيلة التي أصبحت أسيرة ولائها للسلطة المركزية، لا تشكل أي خطر على الدولة التي تستأثر بعناصر الثروة والقوة. ومن ذلك يصل الدكتور ولد أباه إلى أن المجتمع الأهلي والهياكل القبلية والعشائرية، ليست عائقاً دون النقلة الديمقراطية، بل إن هذا العائق يتحدد في مستوى التركيبة الائتلافية بين سلطة مركزية هشة القاعدة المدنية ومؤسسات أهلية فاقدة لكل الشروط والمحددات الموضوعية لفاعليتها التاريخية المنحسرة.


أما المستوى الثاني فهو بنية المجتمع المدني الحديث ومكوناتها الناشئة، إذ يرى الدكتور ولد أباه أن ما ندعوه المجتمع المدني العربي هو تعبير غير دقيق عن القوى السياسية والفكرية التحديثية التي ترفع خطاباً تنويرياً، وتحمل مطالب الانفتاح السياسي وقيم حقوق الإنسان، وإن كانت لا تستند في الواقع إلى قو