الوجه المنسي من تاريخ النفط العربي


 


بنهاية الحرب العالمية الأولى وقبل اندلاع الحرب الثانية, ظل احتياطي النفط الذي تعرف به شبه الجزيرة العربية اليوم, طي الكتمان والنسيان, داخل الأعماق السحيقة لرمال وكثبان الصحراء, في حين تواصلت نظرة الغربيين إلى المنطقة, باعتبارها أرضاً قاحلة جرداء, لا يرجى منها شيء. أما نظرة البريطانيين الذين استعمروا مساحات شاسعة منها, فلم تكن لتعرها أدنى اهتمام هي الأخرى, بالمقارنة مع المستعمرات الأخرى الشاسعة الغنية, التي تعود على الإمبراطورية العظمى بالكثير من الفوائد والخيرات. كان ذلك في بادئ الأمر, ثم جاءت لحظة أخرى تمكن فيها المستكشفون البريطانيون من وضع أيديهم على كميات كبيرة من النفط في إيران, ثم في الشق العربي من الخليج لاحقاً, ابتداءً بالعراق, وصولاً إلى بحيرات واسعة منه على امتداد منطقة شبه الجزيرة العربية بأسرها. لكنهم ومع ذلك تعمدوا هم وغيرهم من مستكشفي النفط الغربيين, وصف المنطقة بخلوها التام من النفط, والتأكيد على كونها عديمة الجدوى والنفع!


لكن ومن خلال هذه القصة التاريخية المثيرة لاكتشاف النفط العربي واستخراجه وتنميته, تحكي الكاتبة الصحفية الأسترالية "إيلين كيتنج", الوجه الآخر من هذه الدراما ونزاع القوى الغربية وتنافسها على النفط العربي, بما يكشف الأسباب التي جعلت تلك الكميات المهولة من النفط التي جرى اكتشافها في كل من البحرين والكويت والمملكة العربية السعودية, طي التجاهل والنسيان لعدة سنوات, إثر تعرف المستكشف النيوزيلندي "فرانك هولمز" عليها. بل الغريب أن "فرانك هولمز" هذا نفسه لا يزال مجهولاً لدى الكثير من الدوائر الغربية, في حين أنه حظي بمكانة كبيرة في منطقة الخليج العربي, التي أطلقت عليه لقب "أبو النفط" منذ عشرينيات القرن الماضي. غير أن التقليل من شأنه من قبل الخبراء ومديري شركات النفط الأميركية والبريطانية وغيرها, بل حكومات الدول الغربية نفسها, إنما يشف عن جانب مهم للغاية من حدة التنافس الذي تخوضه الحكومات والشركات النفطية الغربية فيما بينها, وعن تسترها على نفط المنطقة بغية الاستئثار به لوحدها, لا يهم في ذلك إن ظلمت المنطقة صاحبة الثروة ذاتها أم لم تظلم!


والمثير للاهتمام في هذا الكتاب, أن معلوماته قد استقيت من عصارة سنوات من البحث والتنقيب في مخازن الأرشيف والوثائق الأصلية المرتبطة بمادته, في مختلف مكتبات العالم ودور وثائقه, إلى جانب الأرشيفات الرسمية المتوفرة في مختلف وزارات الطاقة وهيئاتها على نطاق العالم بأسره. ورغم أن الكتاب يتناول الزاوية التاريخية من اكتشاف النفط العربي واستخراجه وإنتاجه في الأساس, فإنه ينظر إلى وقائع التاريخ وأحداثه, من خلال السياق السياسي, وطبيعة العلاقات الدولية وموقع المنطقة العربية منها, في نهايات الحرب العالمية الأولى وما بعدها. ومثلما هو النفط حلبة لتنافس وصراع مختلف القوى الأجنبية والغربية منها على وجه الخصوص اليوم, فهو كذلك بالأمس البعيد. ومن هذا المنظور بالذات, تولي الكاتبة اهتماماً ملحوظاً لمستوى العلاقات التي كانت تربط بين منطقة الخليج ونظام الحكم البريطاني للهند, علماً بأنها العلاقة التي تخفي وراءها الكثير من المناورات السياسية التي أخرت خطى المنطقة طويلاً, في طريق نيل استقلالها الذاتي وتحررها من نير الاستعمار الأجنبي, بما يفتح أمامها الآفاق واسعة لاستغلال ثرواتها ومواردها الطبيعية الضخمة, المتمثلة في النفط على وجه الخصوص.


إذن يمكن القول إن تناول التاريخ في الكتاب, إنما يستمد أهميته من قيمته المعاصرة, ومن قدرته على إضاءة الحاضر بأحداث الماضي وعلاقاته وملابساته, خاصة إن كان الموضوع هو ثروة النفط. وعلى الرغم من أن المؤلفة لم تشر من قريب أو بعيد للنزاعات الدولية الدائرة اليوم حول المنطقة العربية وثرواتها النفطية, إلا أنها أشارت ضمناً, إلى أن لما يحدث اليوم, خلفية تاريخية لابد من الوقوف عندها ودراستها بترو وإمعان.