يحظى الأمير تشارلز باهتمام إعلامي كبير في المملكة المتحدة، وهو ما يرجع بالطبع إلى كونه ولي العهد الذي احتفلت والدته الملكة أليزابيث بعيد ميلادها الثمانين في 21 أبريل الجاري، كما يرجع أيضاً إلى آرائه التي يعبر عنها دائماً بعبارات قوية، وتثير جدلاً كبيراً في الكثير من الأحيان. والأمير تشارلز يحظى بالتأييد من بعض الأوساط، في حين تعبر أوساط أخرى في الكثير من الحالات عن عدم رغبتها في أن يصبح ملكاً، وترى أن ابنه الأكبر الوسيم الأمير "ويليام" الذي يحظى بشعبية كبيرة هو الذي يجب أن يتولى الحكم عندما تموت الملكة.
أما أنا، فأرى أن الأمير "ويليام" الذي يدرس الآن في "سانت هيرست" يجب أن ينتظر دوره في تولي الحكم بعد والده. ومعظم منتقدي الأمير تشارلز يوافقون على العبارة التي تطلقها عليه الصحف دائماً، وهو "أنه أكثر أفراد العائلة البريطانية المالكة ذكاء"، ولكنهم يقولون في النهاية إن الفترة التي أمضاها في جامعة كامبردج لم تعط انطباعاً بأنه مثقف كبير. فحملته الطويلة والمخلصة ضد عدم الذوق المعماري الذي أظهره الكثيرون من المهندسين المعماريين وشركات المقاولات البريطانية في عقدي السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي أدهشت البعض في ذلك الحين، ولكنها استقبلت مع ذلك استقبالاً طيباً من قبل الملايين من البريطانيين. أما دعمه السابق لقضية صيد الثعالب فقد قوبل بالغضب من البعض والثناء من بعض آخر.
اهتم الأمير تشارلز بالإسلام في مرحلة مبكرة من حياته وقام باختيار الراحل الدكتور زكي بدوي الذي أنشأ الكلية الإسلامية في لندن كي يكون مستشاراً له في الشؤون الإسلامية. وفي الحقيقة أنني أعتقد أن اختيار زكي بدوي كان اختياراً موفقاً ولم يكن ممكناً أن يجد الأمير تشارلز رجلاً أفضل منه كي يشغل المنصب الذي عهد به إليه.
وذات مرة أدلى الأمير تشارلز بتصريح قال فيه إنه عندما يصبح ملكاً لبريطانيا، فإنه سيصبح نصيراً للأديان. ليس فقط لكنيسة إنجلترا، ولكن لكل الأديان الموجودة الآن في المملكة المتحدة. ونظراً لأن والدته الملكة تأخذ دورها كرئيسة لكنيسة أنجلترا العريقة بأقصى قدر من الجدية، فإن موقفه هذا خيب في حينه آمال العديد من المسيحيين الذين رأوا فيه إضعافاً للدور الذي تلعبه العائلة المالكة البريطانية للكنيسة الإنجليكانية. ومع أنني شخصياً قد شعرت بالدهشة -شأني في ذلك شأن معظم الناس- عندما أطلق الأمير تشارلز هذا التصريح، إلا أننا عندما نتذكر أن هناك قرابة مليون ونصف المليون مسلم وحوالى 273 ألف يهودي يعيشون في المملكة حالياً، سندرك أن قرار الأمير تشارلز كان سليماً من جميع النواحي، لأنه يضع في اعتباره التغييرات الضخمة التي حدثت داخل المجتمع.
وفي وقت يتم فيه تجاوز وزارة الخارجية في الكثير من المرات بواسطة مكتب رئيس الوزراء في 10 دواننج ستريت -كما حدث في موضوع غزو العراق على سبيل المثال- فإن الأمر اللافت للانتباه أن كلاً من "كلارنس هاوس" -مقر الأمير تشارلز الجديد الذي انتقل إليه عندما ماتت الملكة الأم- ووزارة الخارجية يعطيان الانطباع الآن بأن تشارلز والخارجية البريطانية يعملان الآن بدرجة كبيرة من التنسيق في العديد من المناسبات. من تلك المناسبات على سبيل المثال زيارة الأمير تشارلز الناجحة للغاية التي قام بها لمصر والمملكة العربية السعودية في مارس الماضي، والتي أصبح معروفاً لدينا الآن بأنها تمت بناء على اقتراح من وزارة الخارجية. وفي الحقيقة أن اقتراح هذه الزيارة كان إجراء موفقاً للغاية، خصوصاً في الوقت الراهن الذي تدهورت فيه علاقة العالم العربي ببريطانيا ووصلت إلى درجة متدنية وغير مسبوقة ليس فقط بسبب موضوع العراق في الأساس، وإنما أيضاً بسبب الاقتحام الإسرائيلي الأخير لسجن أريحا والذي يُعتقد أنه قد تم بالتواطؤ مع البريطانيين.
وأحاديث الأمير المتعددة عن الإسلام تظهر بما لا يدع مجالاً لشك أنه يخصص لها الكثير من العناية والوقت ويفكر جيداً قبل إعدادها. فالأمير يقوم بإعطاء مساعديه الخطوط الخارجية لما يريد أن يقوله، وبعد ذلك يقوم بإجراء عملية تشاور مفصلة مع المستشارين والخبراء الخارجيين للوصول إلى صيغتها النهائية. وفي بعض الحالات تتم صياغة خطاب أو كلمة والاحتفاظ بها على جهاز الكمبيوتر انتظاراً لحدث مناسب يتم تقديمها فيه.
ومن ضمن القواعد التي يحرص عليها الأمير أن يكون أحد مساعديه مستعاراً من وزارة الخارجية، علاوة على قيامه بإجراء اتصالات وثيقة مع القسم الملائم من أقسام وزارة الخارجية حسب الموضوع الذي يكون مهتماً به في وقتها. وأستطيع أن أذكر اسمي سكرتيرين عملا مع الأمير تشارلز ثم شغلا بعد ذلك مناصب عالية. الأول هو "ستيفن داي" الذي عمل مع الأمير عام 1986 ثم أصبح سفيراً للمملكة المتحدة في تونس في العام التالي. أما الثاني فهو "نيكولاس آرتشر" الذي عمل مع الأمير خلال السنوات 1997-2000 ثم شغل مؤخراً منصب مندوب سامٍ في إحدى دول الكومنولث.
وقد أسس الأمير تشارلز سمعته كمتحدث بناء، ومفكر عميق في