في الوقت الذي بدأت فيه ملامح الحكومة العراقية الجديدة تتشكل بعد أزمة سياسية دامت عدة أشهر، تعهد كبار السياسيين الأكراد في البلاد بالعمل من أجل عراق متلاحم ومُسالم. وفي هذا الإطار، قال الرئيس العراقي الكردي جلال طالباني بعد أن وافق البرلمان العراقي على ولايته الرئاسية الثانية، واختيار السياسي الشيعي جواد المالكي لتعويض إبراهيم الجعفري المثير للجدل: "إذا تمكن رئيس الوزراء جواد المالكي بسرعة من تشكيل حكومة قوية تضم جميع المجموعات، فسيكون ذلك مكسباً للشعب العراقي".
والحال أن التطلع الكردي إلى الاستقلال لا يزال قائماً، ففي ظل أجواء عدم الاستقرار التي تعم عدداً من مناطق العراق وتزايد المد الإسلامي، يرى عدد من المراقبين أن الأكراد، الذين يُعدون علمانيين نسبياً، يعملون بهدوء على تعزيز الحكم الذاتي الذي يتمتعون به منذ 1991 وتوسيعه. فخلال الآونة الأخيرة، وقعت الحكومة الجهوية الكردية، التي تدير منطقة الحكم الذاتي الكردية شمال العراق منذ أوائل التسعينيات، عقوداً مع شركات نفطية أجنبية للتنقيب عن حقول نفط جديدة في المناطق الخاضعة لحكم الأكراد من العراق. ويقول الخبراء إن الأكراد يأملون أن تساهم عائدات هذه العقود في استقلال اقتصادي يفضي لاحقاً إلى استقلال سياسي عن بغداد.
ويقول "رفيق لاتا"، الخبير في قضايا النفط والغاز بلندن: "إن الأكراد يعرضون على الشركات التي ترغب في المراهنة على الوضعية القانونية عقوداً مغرية. والواقع أن بعض الشركات النفطية الصغيرة استجابت لذلك"، ومن بينها شركة "دي إن أو" النرويجية التي كانت السباقة في هذا الإطار، متبوعة بشركة "ويسترن أويل ساندز" الكندية. وقد بدأت شركة "دي إن أو" التنقيب شمال العراق في 2004، ومنذ أسبوعين، أعلنت أنها تتوقع الشروع في ضخ النفط من حقل نفطي اكتشف حديثاً بالقرب من مدينة "زاخو" أوائل 2007.
في الوقت الراهن، تأتي ميزانية كردستان السنوية من نصيبها في عائدات النفط العراقية التي توزع وفق عدد السكان. ونتيجة لذلك، يتلقى الأكراد 17 في المئة من عائدات النفط العراقية السنوية، البالغة 30 مليار دولار. غير أن جل صادرات النفط العراقية تمر عبر الجنوب الخاضع لحكم الشيعة، ما يعني أن حكام العراق الشيعة يستطيعون، نظرياً على الأقل، خنق اقتصاد شمال العراق الكردي متى شاءوا.
ومن التحديات التي تواجهها التطلعات النفطية الكردية كذلك تردي الأوضاع الأمنية إلى جانب الدستور الذي ينص على أنه، خلافاً للتنقيب عن النفط، يعد التفاوض بشأن إصلاح الحقول النفطية الموجودة من اختصاص وزارة النفط ببغداد. وقد قدر "شمخي فرج"، مدير التسويق والاقتصاد بوزارة النفط العراقية، أن صناعة النفط العراقية تحتاج إلى 25 مليار دولار من أجل إصلاح ما دمرته الحرب واستبدال التجهيزات والمعدات القديمة.
وحتى الآن لم تنجح كثيراً وزارة النفط التي تخضع لسيطرة الشيعة في توقيع عقود لإصلاح الحقول النفطية. ويفسر الخبراء تردد الشركات الأجنبية في الاستثمار في المنطقة بخشيتها من هجمات محتملة من قبل المتمردين، إضافة إلى حالة عدم اليقين السياسي في بغداد.
ونتيجة لذلك، لم يتمكن الأكراد من إصلاح جميع الحقول النفطية الواقعة حول كركوك، التي تقع تحت السيطرة الكردية منذ 2003. وهو ما يمثل مصدر إحباط بالنسبة للأكراد، خصوصاً وأن الحقول تضم نحو 15 في المئة من الثروة النفطية العراقية. ولكن حتى في حال تمكن الأكراد من تمويل إعادة إنشاء المرافق النفطية في كركوك بأنفسهم -كما يدعو البعض إلى ذلك اليوم– فلن يشكل هذا سوى البداية. كما سيتعين على الأكراد أيضاً إنشاء أنابيب نفـط جديدة لتصدير نفطهـم.
والحقيقة أن الأكراد تمكنوا على الأقل من تعزيز سيطرتهم على نفط كركوك بشكل خاص. ذلك أن كركوك كانت قبل الغزو الأميركي سنة 2003 مدينة عربية. أما اليوم فقد أصبح الأكراد يشكلون الأغلبية فيها بعد أن أجبروا العديد من العرب الشيعة على الرحيل، والذين كان صدام قد استقدمهم لــ"تعريب" المدينة. غير أن ما قام به رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر مؤخراً يؤشر إلى أن الشيعة يسعون إلى صد الهيمنة الكردية على كركوك. حيث أورت صحيفة "واشنطن بوست" يوم الثلاثاء أن "المئات من أفراد المليشيا الشيعية انتشروا في الأسابيع الأخيرة" هناك. وأفادت الصحيفة أن ما لا يقل عن 240 مقاتلاً من الموالين للصدر وصلوا إلى المدينة.
وهنالك مدينة أخرى لا تقل أهمية عن كركوك بالنسبة للطموحات الكردية طويلة المدى هي تلعفر، وهذه الأخيرة مدينة عراقية، تركية العرق وشيعية المذهب، تقع بين الموصل ومدينة سينغار الكردية بالقرب من الحدود السورية. ويقول "جوست هيلترمان"، المحلل المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، إن "تلعفر هي معبر الأكراد إلى سينغار، ومن الأخيرة يمكنهم الوصول إلى كردستان السوري". وبعبارة أخرى، ففي حال تمكن الأكراد أيضاً من أخذ تلعفر والاحتفاظ بها، فإن حلمهم في كردستان الكبرى سيظل قائماً. ويضيف "هيلترمان": "يقول الأكراد إن تلعفر منطقة كردية ومك