العلاقة بين جماعة "الإخوان المسلمين" في الأردن وحركة "حماس" في فلسطين مُعقدة، مثلها مثل العلاقات الأردنية- الفلسطينية في مجملها. فقد خلق الوضع المتأرجح للضفة الغربية تداخلاً بين تنظيمي "الإخوان" الأردني والفلسطيني منذ تأسيسهما في الربع الثاني من القرن الماضي.
كان تنظيم الأردن هو الأول خارج مصر، وضع ركيزته الأولى عبدالحكيم عابدين صهر مؤسس جماعة "الإخوان" حسن البنا، خلال زيارة إلى شرق الأردن في منتصف الثلاثينيات. بدأ هذا التنظيم أقرب إلى تيار ينادي بالإصلاح الديني، وظل لعدة سنوات قبل أن يباشر أول نشاط سياسي متفاعلاً مع قضية فلسطين.
وحصل "الإخوان" الأردنيون على ترخيص رسمي في عام 1946، بالتزامن تقريباً مع وضع حجر الأساس لتنظيم "الإخوان" في الضفة الغربية على يدي سعيد رمضان (زوج ابنة حسن البنا) عقب توليه الأمانة العامة للمؤتمر الإسلامي في القدس، وبدأ تنظيم الضفة بإنشاء شعبة "الإخوان" في القدس في أكتوبر 1945.
وتواكب ذلك مع تأسيس أول مكتب إداري لـ"الإخوان" في قطاع غزة قبيل وضعه تحت الإدارة المصرية في عام 1948. وكان ضم الضفة الغربية إلى شرق الأردن هو بداية التداخل بين "إخوان" الأردن وفلسطين، حيث اجتمعت عوامل تاريخية وجغرافية وديموغرافية جعلت العلاقة بين الطرفين شديدة التعقيد. وهناك ما يدل على أنها ستزداد تعقيداً بعد فوز "حماس" في الانتخابات التشريعية وقيامها بتشكيل الحكومة الفلسطينية الحالية. ولعل أكثر الجوانب تعقيداً في العلاقة بين الطرفين هو أن الكثير من أعضاء جماعة "الإخوان المسلمين" الأردنية وأنصارها ينتمون إلى أصول فلسطينية. وإذا كان أعضاء الجماعة كلهم، وفي فروعها كافة وليس في الأردن فقط، يقفون مع "حماس" لدورها في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، فالوضع في أوساط "إخوان" الأردن أو بعضهم على الأقل، يختلف.
فالأمر بالنسبة إلى بعض هؤلاء الذين ينتمون إلى أصل فلسطيني، وإلى أصل شرق أردني أيضاً، يتجاوز الموقف "الإخواني" العام المؤيد لحركة "حماس"، الأمر الذي يخلق علاقة معقدة بين تنظيمين مستقلين تنظيمياً ولكنهما متداخلان سياسياً وعاطفياً، على نحو قد لا نجد له مثيلاً في العلاقة بين أي من مكونات التنظيم الدولي لـ"الإخوان المسلمين".
وهذا يفسر الحرج الشديد الذي أصاب "إخوان" الأردن عندما وجهت الحكومة الأردنية في 19 أبريل الجاري اتهاماً لحركة "حماس" بتخزين أسلحة في الأردن. فليست هذه هي المرة الأولى التي يثار فيها الجدل حول قيام أعضاء في "حماس" بإدخال أسلحة لاستخدامها في عمليات فدائية ضد إسرائيل عبر الحدود الأردنية. حدث ذلك من قبل في عام 1991، كانت الانتفاضة الفلسطينية الأولى تلفظ أنفاسها بعد حرب الخليج الثانية. وحاول بعض كوادر "حماس" إطالة أمدها عبر عمل عسكري لم تكن ظروفه الموضوعية مهيأة في داخل الأراضي المحتلة، فحاولوا أن يجربوا إمكاناته عبر الساحة الأردنية للمرة الأولى منذ معارك "أيلول الأسود" 1970 التي أخرجت المقاومة الفلسطينية المسلحة من هذه الساحة.
ولكن أجهزة الأمن الأردنية ضبطت الأسلحة ومهربيها في شرق العاصمة ومنطقة الأغوار، وكان من بين المتهمين "إخوان" أردنيون. غير أن قيادة "إخوان" الأردن نجحت في احتواء الأزمة مع الحكومة، وتعهدت قيادة "حماس" بعدم تكرار ما حدث، وأصدر الملك حسين عفواً عاماً عن المتهمين.
كانت هذه هي المرة الأولى التي يظهر فيها أن جناحاً في حركة "حماس" اخترق تنظيم "الإخوان" الأردني. ولذلك سعت قيادة هذا التنظيم إلى ضبط العلاقة مع حركة "حماس". ومع ذلك، استمر الاختراق من جانب متشددين في "حماس"، وازداد في السنوات التالية. واستثمر القائمون به وجود خلافات داخل "إخوان" الأردن الذين يصنفهم العارفون بهم إلى ثلاثة اتجاهات: حمائمي ووسطي ومتشدد. وأدى ذلك إلى انزعاج قيادة "إخوان" الأردن، فلجأت إلى التنظيم الدولي لـ"الإخوان المسلمين" الذي أخفق في معالجة المشكلة. وجاءت الأزمة الأخيرة، عقب الاتهام الأردني الجديد ضد مجموعة من حركة "حماس"، لتجدد الجدل حول تعقيدات العلاقة بين هذه الحركة و"إخوان" الأردن.
ومن أهم ما تثيره هذه الأزمة عجز التنظيم الدولي لـ"الإخوان المسلمين" عن القيام بأي دور في تنظيم العلاقة بين أعضائه. فالمشكلات التي تواجه العلاقة بين "الإخوان" الأردنيين والفلسطينيين تبدو أوسع بكثير من محاولة مجموعات متشددة في "حماس"، فتح الجبهة الأردنية مجدداً.
كما أن هذه ليست الحالة الوحيدة التي ظهر فيها ضعف أداء التنظيم الدولي الذي أُعلن عنه في يوليو 1982، وإن سبقته تحركات شتى نجحت في إيجاد شبكات إخوانية عابرة للحدود في مرحلة كانت تنظيمات "الإخوان" فيها تتعرض إلى الملاحقة من مصر إلى سوريا إلى العراق إلى الجزائر.
وكان الغزو العراقي للكويت هو الاختبار الأول أمام التنظيم الدولي، كان الاختبار أكبر من قدرة هذا التنظيم، حدث خلاف في داخله، وما كان له أن ينجو من انقسام شطَرَ العرب والمسلمين في كل مكان. كان مستحيلاً أن يقف على الحياد، فيما "إخو