تمثل معارض التوظيف حلقة وصل مهمة بين شباب الإمارات الباحث عن عمل وجهات العمل بقطاعيها الخاص والعام، فهي البيئة التي يمكن أن تحقق -ولو نظرياً- مبدأ تكافؤ الفرص بين الباحثين عن الوظائف. وقد ظهرت هذه المعارض وانتشرت كرد فعل طبيعي لتنامي مشكلة البطالة بين المواطنين، وأيضاً لتنامي الرغبة في الاستفادة من الكوادر البشرية المواطنة وسعي الشركات الوطنية إلى البحث عن العناصر المؤهلة الموهوبة للاستفادة منها في دفع عجلة الإنتاج وتحقيق معدلات توطين جيدة بمعايير نوعية تضمن تعظيم الإيجابيات، ناهيك عن أن أحد جوانب المشاركة ما يتمثل في الدعاية التي لا ينكرها أحد على شركاتنا شريطة أن تتوازى مع تحقق الهدف الرئيسي المرجو من تنظيم هذه المعارض.
والملاحظ أن تلك المعارض تشهد تنافساً حاداً بين المؤسسات الوطنية والشركات الخاصة على جذب الكوادر المواطنة، بحيث يصار الأمر في بعض الأحيان على حصر التنافس وفرص الحصول على الفرص بين المتميزين والأكثر تميزاً، والنتيجة في كثير من الأحيان أن الخريجين الجدد، لاسيما في التخصصات النظرية والعلوم الإنسانية لا يحظون بقدر واضح من الفرص في هذه المعارض، خصوصاً إذا كانوا يفتقرون إلى الخبرة العملية أو إجادة التعامل مع أدوات العصر الحديث ومتطلبات بيئة العمل في عصر الاقتصاد الرقمي مثل اللغات الأجنبية والحاسب الآلي.
هنا تحديداً تطفو على السطح اتهامات لهذه المعارض بأنها ليست سوى واجهة دعائية للشركات والمؤسسات، وأنها لا توفر المطلوب ولا تحقق ما ينشده الجميع من أهداف، في حين أن تتبّع الحقيقة ربما لا يقود إلى النتيجة ذاتها في جميع الأحوال.
صحيح أن هناك مشاركات "صورية" ولكن هناك بالمقابل من يبحث عن الجادين ويوفر لهم فرصاً مغرية للعمل في مواقع متميزة، على اعتبار أن هناك علاقة طردية واضحة باتت تربط بين مستوى تقدم الشركات والمؤسسات في استخدام التكنولوجيا بما يعزز موقفها في السوق من ناحية، وسقف الشروط التي تضعها هذه المؤسسات والشركات لتعيين موظفيها الجدد من ناحية ثانية.
من الصعب إذاً القول بأن هذه المعارض هي البديل العملي "الوحيد" المتاح للقضاء على بطالة المواطنين، لأن ارتفاع مستوى التنافسية يؤثر بالتبعية في الشروط والمعايير المطلوبة للتوظيف، ومن الصعب بالمقابل إلزام الشركات بتعيين ما لا تحتاجه من الموظفين، فالكل يبحث عن التميز سواء في الأداء الإنتاجي أو في مهارات موظفيه، وهذه أمور بديهية في أسواق العمل الحديثة.
ما العمل إذاً؟ وكيف يمكن الخروج من هذه الدوامة والفكاك من دائرة بطالة بعض الخريجين؟ الجواب يبدو محصوراً في تعزيز برامج وسياسات التدريب التأهيلي بما يتناسب مع احتياجات سوق العمل لحين رأب هذه الفجوة عبر تطوير المناهج. صحيح أن هناك برامج تدريب حكومية جيدة قائمة، ولكنها لم تزل محدودة ولا تستطيع استيعاب الجميع كما أن برامج التدريب التي توفرها الكثير من المعاهد الخاصة ليست سوى عمليات تجارية تستهدف الربح واستنزاف جيوب المواطنين من دون مردود يذكر.
سوق العمل المحلي يعاني إشكاليات استثنائية ويحتاج إلى حلول غير تقليدية، لتوفير فرص عمل للمواطنين بعيداً عن آليات المحاصصة التي ثبت تحايل القطاع الخاص عليها بشتى الطرق وبما يستنزف كوادرنا البشرية النادرة في وظائف هامشية وأحياناً وهمية.
عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للبحوث والدراسات الاستراتيجية