على مدى حياتي شاهدت صراعين هائلين خاضهما المجتمع المتحضر بنجاح ضد الحركات الشمولية: الأول ضد الفاشية والنازية، والثاني ضد الشيوعية السوفييتية. وباعتباري من المفاوضين الذين شاركوا في مباحثات الحد من الأسلحة النووية في إدارة الرئيس ريجان، فإنه كان لي شرف القيام بدور -وإنْ كان صغيراً- في تحقيق الانتصار في الصراع الثاني.
أما الآن، وقد بلغت العام الخامس والثمانين من عمري، فإن ما أود قوله هو أنني لم أشعر أبداً من قبل بقلق على مستقبل أبنائي وأحفادي، مثل القلق الذي أشعر به اليوم. فعدد الدول التي تحصل على أسلحة نووية يتزايد، كما أن الإرهابيين أصبحوا مهيئين لإتقان التقنية النووية، ومستعدين لاستخدام الأسلحة القاتلة ضدنا.
والولايات المتحدة، بشكل خاص، يجب أن تواجه رأساً هذا الخطر، وتتبنى بالتالي خطوات حاسمة لمنع الكارثة، وذلك من خلال القيادة البناءة اللازمة لمعالجة التهديد النووي. ولكن مما يؤسف له، أن الهدف المتعلق بالتخلص من أسلحة الدمار الشامل (الذرية والكيمياوية والبيولوجية)على مستوى العالم، لم يعد جزءاً أساسياً من أجزاء السياسة الخارجية الأميركية، مما يتطلب منا ضرورة القيام بوضعه مرة أخرى على قائمة أولوياتنا.
ليس من المتوقع بالطبع أن يوافق الجميع هذه الرؤية الجريئة. ولكنني أقول للذين يعارضونها الآن، إن الكثيرين قد عارضوها أيضاً، لما تم الإفصاح عنها من قبل رونالد ريجان عندما كان رئيساً. إنني أتذكر بوضوح اجتماع مجلس الأمن القومي الذي عقد في البيت الأبيض عام 1985، والذي أبلغنا فيه الرئيس ريجان عن تفاصيل أول قمة للتعارف بينه وبين الرئيس السوفييتي ميخائيل جورباتشوف، كانت قد عقدت في جنيف قبل ذلك الاجتماع بعام.
في ذلك الاجتماع بدأ الرئيس كلمته بالقول: "إن ماجي كانت على حق في قولها إننا يمكن أن نعمل مع هذا الرجل". و"ماجي" هنا هي رئيسة الوزراء البريطانية مارجريت تاتشر. وبعد ذلك، وفي نبرة ذات صبغة واقعية ملحوظة، أبلغنا ريجان أنه قد ألمح للسيد جورباتشوف، بأن المفاوضات التي تجري بينهما يمكن أن تؤدي في النهاية إلى قيام الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي بالتخلص من جميع أسلحتهما النووية.
وعندما انتهى الرئيس من إيجازه، لاحظت علامات الدهشة الممزوجة بالقلق على وجوه جميع الجالسين بدون استثناء والذين نبَّهوا الرئيس ريجان إلى أن أسلحتنا النووية لا يمكن الاستغناء عنها. واستمع الرئيس لتلك الاعتراضات والملاحظات في هدوء وسماحة ولكنه لم يعقّب. وفي الحقيقة أننا لم نعرف موقفه من الموضوع بالضبط سوى في شهر أكتوبر من العام التالي (1986)، وذلك في اجتماع القمة الثاني الذي عقد بينه وبين جورباتشوف في "ريكيافيك" بأيسلندا. فهناك، عندما كرر ريجان لجورباتشوف اقتراحه الخاص بإزالة الأسلحة النووية، وعلى الرغم من أنه لم يتم التوصل إلى اتفاق بشأن هذا الموضوع، فإن ريجان كان قد قال كلمته. وكان المثير للاندهاش أن هذه الكلمة قد صدرت عن رجل كان معروفاً بواقعيته وإدراكه لأهمية الردع النووي.
مما تقدم يمكن أن نخرج بدرس هو أن المرء يمكن أن يكون واقعياً ومثالياً في نفس الوقت. إن الشيء الذي ينقص السياسة الخارجية الأميركية حالياً هو الاستعداد لاعتناق هاتين المقاربتين في وقت واحد، أي إيجاد طريقة للتحرك بين ما هو "كائن" (عالم معرض بشكل متزايد لخطر حدوث كارثة عالمية) إلى "ما ينبغي أن يكون" (عالم متحضر يسوده السلام ويخلو من أسلحة الدمار الشامل).
و"ما ينبغي" أصبح يمثل جزءاً لا يتجزأ من العملية السياسية لدينا. فآباؤنا المؤسسون كرسوا "ما ينبغي" في الديمقراطية الأميركية في إعلان الاستقلال في وقت كانت لدينا فيه عبودية، ومواد قانونية تشترط أي تكون لدى الشخص أملاك معينة كي يكون له حق التصويت، وكانت فيه المرأة تعتبر مواطنة من الدرجة الثانية. ومع ذلك، فإننا قمنا وبشكل مطرد بالتحرك من مرحلة "ما هو كائن" إلى مرحلة "ما ينبغي أن يكون". فعندما قام الرئيس الأسبق جيرالد فورد بالتوقيع على اتفاقية "هلسنكي" بصيغتها النهائية في عام 1975، تعرض للانتقاد من الكثيرين لأنه اشترك في عملية كان السوفييت هم الذي بدؤوها. ولكنه فعل ذلك لأن تلك الاتفاقية عكست سلسلة من الأمور التي "ينبغي فعلها" في ذلك الوقت.
تقدير القوة الهائلة للأمور التي ترد تحت عنوان "ما ينغي" فعله يجب أن يقود حكومتنا إلى اعتناق هدف إزالة جميع أسلحة الدمار الشامل. ومن أجل تحقيق هذه الغاية فإنني أقترح على الرئيس بوش أن يقوم بعد التشاور مع حلفائنا بالظهور أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة للدعوة إلى إصدار قرار بتبنى هدف التخلص من جميع أسلحة الدمار الشامل في العالم.
وعليه أن يذكر في وضوح أننا على استعداد للتخلص مما هو موجود لدينا من تلك الأسلحة، إذا ما قام مجلس الأمن الدولي بتطوير نظام فعال لضمان الالتزام الكامل من قبل جميع الدول بإزالة مخزوناتها من الأسلحة النووية، وأعاد التأكيد على أهمية الاتفاقيات والمعاهدات المعمول بها حا