قد لا يكون عدد من السياسيين الأميركيين الذين يدعون إلى تجريم المهاجرين غير الشرعيين اليوم واعين بأنهم وعدداً كبيراً من ناخبيهم قد يكونون هم أنفسهم من أحفاد أناس قاموا بأعمال غير شرعية منذ عدة سنوات خلت. ذلك أن معظم أراضي الولايات المتحدة كان يسكنها أناسٌ –يحصون بمئات الآلاف- ممن غضوا الطرف عن القانون وقاموا بالاستيلاء على أراض عمومية من ملك الدولة،
وبطبيعة الحال كان لديهم سبب قوي ووجيه للقيام بذلك. فعلى غرار مهاجري اليوم، كان أولئك الأشخاص يبحثون عن حياة أفضل لأنفسهم وأسرهم. والواقع أن العديد من السكان الحاليين الذين يعيشون في الولايات الواقعة بين جبال الأباتشي وجبال الروكي يمكنهم اقتفاء أصولهم واكتشاف انتسابهم إلى هؤلاء الناس الذين كانوا يعتبرون مجرمين في وقت من الأوقات –والذين نطلق عليهم اليوم اسم "الرواد".
في العقود الأولى من القرن التاسع عشر، أرادت الحكومة الفيدرالية التخلص من الأراضي العمومية الواقعة غرب البلاد وبيعها لمن يقدم أفضل عرض في المزادات العلنية –والذي غالباً ما كان مضارباً عقارياً من شمال شرق البلاد. غير أن هذه السياسة طرحت عقبة حقيقية في وجه المستوطنين المتوجهين غرباً على أمل امتلاك أرض رخيصة الثمن وبدء حياة جديدة. وقد كان المضاربون في الكثير من الأحيان يحجمون عن عرض الأراضي للبيع لسنوات عدة، في انتظار أن يرتفع سعرها وبالتالي لكي يجنوا أرباحاً كبيرة.
وبالرغم من أن القانون الفيدرالي الأميركي كان يجرّم دخول الأراضي العمومية المزمع بيعها في المزاد، كان مئات الآلاف من المستوطنين يقومون بالاستيلاء على هذه الأراضي، إضافة إلى أراض أخرى خاصة من ملك أشخاص غائبين، ويشرعون في زراعتها بصورة غير شرعية. وقد كانت الحكومة الفيدرالية تحاول أحياناً حماية الأراضي وتقوم بإرسال الجيش لطرد المستولين على تلك الأراضي، غير أن المستوطنين كانوا يعودون بمجرد أن يرحل الجيش.
هذا وكان رجال السياسة من شرق البلاد، الذين كان الكثير منهم يقوم بالمضاربة في الأراضي، ينددون بتحدي المستوطنين للقانون الفيدرالي، ويصفونهم بـ"الجشعين والخارقين للقانون" الذين لا يقيمون وزناً للنظام أو القانون. وفي 1815 أصدر الرئيس "جيمس ماديسون" بلاغاً صارماً حذر فيه "الأشخاص الذين لا يعلمون أو غير المتعاونين ممن استولوا بطريقة غير شرعية على الأراضي العمومية أو أقاموا عليها مستوطنات"، مطالباً إياهم بإخلائها وإلا، فسيواجهون الترحيل على يد الجيش إضافة إلى المتابعة القضائية. ومن جانبه، عبر "هنري كلي" عن شعور كان يشاطره فيه الكثيرون في 1838 حين وصف المستوطنين بـ"الغوغاء المنتهكين للقانون".
ولكن عندما تمكن المستوطنون من الصمود وغرس جذور لهم هناك، استعصى على الحكومة سياسياً وعملياً زحزحتهم. ونتيجة لذلك، أصدر الكونغرس في 39 مناسبة قبل 1837 أحكاماً بالعفو على المستوطنين المحتلين بطريقة غير شرعية لأراض فيدرالية، وذلك بالرغم من المعارضة التي أبداها بعض السياسيين حينها على اعتبار أن العفو يعني مكافأة المستوطنين على خرق القانون. ولكن في نهاية المطاف، تم تقنين عملية الانتقال من احتلال الأراضي إلى امتلاكها بمقتضى قانون 1862، الذي منح المستوطنين الذين تتوفر فيهم شروط حددها القانون حق الامتلاك. والحقيقة أن صورة المستوطنين غير الشرعيين خضعت لعملية تجميل شاملة في ذاكرتنا الجماعية لتجعل منهم رواداً نبلاء، وذلك في واحد من أعظم مظاهر السخرية في التاريخ الأميركي.
ما العبرة من كل ذلك؟ عندما تكون الحاجات التي تدفع أعداداً كبيرة من الناس إلى خرق القانون قوية بما يكفي، فمن غير المرجح أن يتمكن القمع الرسمي من إيقافهم. ولا أقصد القول إن الحكومة غير مُحقة عندما تحاول تقنين الهجرة. إلا أن الجهود الرامية إلى التغلب على المشكلة يجب أن تبذل بموازاة مع احترام كرامة المهاجرين غير الشرعيين ومراعاة حاجياتهم المشروعة التي تدفعهم إلى خرق القانون.
من يدري؟ فربما بعد مئة عام، عندما يترك النقاش الساخن حول الهجرة غير الشرعية المجال لموضوع آخر مثير للجدل، قد يشاهد أحفادنا أفلاماً أو مسلسلات تلفزيونية تمجد بطولة مهاجري اليوم غير الشرعيين– أو "الرواد".
إيدواردو مويساز بينالفار
أستاذ بكلية "فوردهام" للقانون
ينشر بترتيب خاص "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"