لقد قام الرئيس بوش بتوظيف خطابه الأخير عن "حالة الاتحاد" في الدعوة إلى رفع مستوى أداء الطلاب والتلاميذ الأميركيين في مادتي الرياضيات والعلوم, متأثراً في ذلك بحدة التنافس الدولي على الصعيدين التكنولوجي والاقتصادي. هذا وقد توفر من الأدلة ما يكفي على تخلف النظام التعليمي الأميركي في هاتين المادتين, عن الكثير من دول العالم الأخرى. غير أن علينا أن نبدي القلق ذاته على مظهر آخر من مظاهر السلبية في نظامنا التعليمي المدرسي. فالشاهد أن غالبية الشباب الأميركيين, يجهلون الكيفية التي يعمل بها نظام الحكم والسياسة في بلادهم, مما يؤثر على وعيهم السياسي, ويفقدهم القدرة على المشاركة الفاعلة بصفتهم مواطنين كاملي الحقوق والواجبات. والمعلوم عن أميركا أن لها رصيداً تاريخياً حافلاً في تقديم النموذج الديمقراطي لبقية دول العالم الأخرى. ومع انشغالنا بكل هذا القدر بنشر الديمقراطية وبسطها في أوسع رقعة جغرافية ممكنة خارج حدود بلادنا, فإن الأحرى بنا ألا ننسى نشرها وترسيخ الوعي بها داخل بلادنا أولاً.
وعلى رغم وجود ما يشير إلى ارتفاع الحس القومي لدى الشباب, ومشاركتهم وتطوعهم في الكثير من الأعمال والمهام الاجتماعية التي تعكس اهتمامهم بالعمل العام, فإن ذلك لا ينفي حقيقة عزلة غالبيتهم عن الأحداث والقضايا الراهنة الجارية، فالديمقراطية الصحية المعافاة, إنما تعتمد في الأساس على المشاركة النشطة للمواطنين فيها. ولما كان الأمر كذلك, فإنه لمن الأهمية بمكان أن نضيف أن هذه المشاركة إنما هي سلوك يتعلمه الإنسان ويكتسبه, وأنها ليست مما يتوقع حدوثه فجأة وبمحض الصدفة. وكما أشار تقرير عام 2003 للحملة المدنية المدرسية, فإن الأفراد لا يتحولون آلياً إلى مواطنين مسؤولين وقادرين على القيام بواجبات مواطنتهم على أكمل وجه بالوراثة. بل إن من الواجب تعليمهم وتثقيفهم كيف يصبحون كذلك. وهذا يعني أهمية تلقيهم دروساً في المواطنة, أي أن نعطي طلابنا دروساً في الديمقراطية, وإن من الواجب أن يتساوق هذا التعليم ويمضي على قدم المساواة مع تلقيهم للمواد والدراسة الأكاديمية.
وليست هذه بفكرة جديدة على أية حال. فقد كان من صميم الواجبات التي اضطلعت بها أولى مدارسنا العامة, تعليم الطلاب والتلاميذ واجبات المواطنة, باعتبار أن ذلك جزء لا يتجزأ من مهمتها ودورها التعليمي. يذكر أن الفيلسوف البراجماتي "جون ديوي" قال ذات يوم, إن الديمقراطية في حاجة لأن تولد مرة أخرى مع كل جيل جديد, وإن قابلة هذه الولادة الجديدة هي التعليم. ولكن الملاحظ أن التعليم السياسي الوطني قد رُكِل جانباً في مدارسنا ومؤسساتنا التعليمية. ونذكر بهذه المناسبة أن التعليم السياسي والتثقيف بشؤون الحكم, كان أمراً شائعاً في الكثير من مدارسنا الثانوية العليا الحكومية حتى عقد الستينيات. وكانت علوم المواطنة ومشكلات الديمقراطية تهتم أيما اهتمام بدور المواطنين ومشاركتهم في الحياة السياسية لبلادهم, فضلاً عن تشجيع الطلاب على مناقشة القضايا السياسية الراهنة.
غير أن الملاحظ هو انحسار هذه المواد وشحها في غالبية مدارسنا. ولم يبق من ذلك التراث الثر العريض اليوم, سوى كورس واحد عن شؤون الحكم الأميركي. وهو عادة ما يستغرق مدة زمنية قصيرة وموجزة, وينصب اهتمامه على أمرين اثنين فحسب هما: كيف، ولماذا يتعين على المواطنين المشاركة في شؤون بلادهم. يجدر القول هنا إن تأثير انحسار التعليم السياسي الوطني على الطلاب والتلاميذ ليس نظرياً فحسب. فقد أكدت الأبحاث التي أجريت في هذا الجانب, أنه كلما أحسن الناس فهم واستيعاب تاريخ بلادهم والكيفية التي تحكم بها, كلما زادت مشاركتهم في الانتخابات وفي الحياة السياسية بوجه عام.
ولهذا السبب فإننا بحاجة لعدد أكبر وأفضل من الحصص والدروس لنشر التعليم الخاص بشؤون الحكم والتاريخ والقانون والأحداث الجارية, حتى يتمكن الطلاب من فهمها واستيعابها, كي تدفع بهم إلى المشاركة الفاعلة والنشطة في شؤون بلادهم الديمقراطية. ونعلم كذلك أن الجزء الغالب من هذا النوع من التعليم, إنما يجري خارج نطاق الفصول الدراسية النظامية, أي في النشاط المدرسي الإضافي, مثل العمل الخدمي المرتبط بالنشاط الدراسي, وغيره من الأنشطة التي تسهم في رفع مستوى الوعي السياسي الوطني للطلاب والدارسين.
ولا جدال في أهمية رفع القدرة التنافسية لأبنائنا وبناتنا في المجالين التكنولوجي والاقتصادي على المستوى العالمي بالطبع. غير أن علينا ألا ننسى أن بلادنا لم تتفوق اقتصادياً وتكنولوجياً إلا بسبب سيادة حكم المؤسسات والقانون فيها, ولكونها دولة حرة وديمقراطية. وبهذا نستنتج أن الديمقراطية كانت وتظل أداة رافعة لنمو الاقتصاد القومي ولخير المجتمع وسعادته إجمالاً. وعليه فإن في الفشل في مواصلة التربية السياسية لأجيالنا الشابة على قيم الانفتاح والديمقراطية, ما يؤثر سلباً وبشكل مطرد على تقدمنا الاقتصادي والتكنولوجي. ولعل هذا هو عين السبب الذي دفع "بيل جيتس" –القيادي المعروف في مجالي الاستثمار والاب