لا زلت أشعر بالفخر والاطمئنان أن ثمة أملاً في مستقبل عربي أفضل، وذلك بعدما أمضيت مساء السبت الماضي وسط عدد من الشباب والشابات العرب النابغين من جامعة ماساشوستس للتكنولوجيا الشهيرة، في حفل دعت إليه منظمة الطلبة العرب بالجامعة العريقة: http://web.mit.edu/arab/www/index.html لتوزيع جوائزها للنابغين العرب في حقلي العلوم والتقنية. وأنصح أي مفكر أو كاتب عربي أن يقبل أو حتى يدعو نفسه لحضور احتفالهم السنوي القادم.
على طاولة العشاء الأنيقة كان عن يميني شاب مصري اسمه مجدي، يحضر الدكتوراه في الطب ويُدرس في نفس الوقت الفيزياء، وعن يساري شابة مصرية هي الأخرى اسمها إيمان تخرجت من الأكاديمية السعودية في واشنطن وتدرس حالياً تخطيط المدن. مازحتها قائلاً هل تطمحين أن تكوني أول امرأة ترأس بلدية القاهرة؟ ردت مبتسمة أن القاهرة "كبيرة أَوِي، كفاية أبدأ من الجيزة"، ما أدراها؟ فعالمنا العربي في مخاض، وما سمعته منها عن تخطيط المدن أقنعني بأنها ستكون أفضل من بعض رؤساء البلديات الحاليين الذين رأينا ما فعلوه في مدننا العربية.
عن يمين مجدي شاب سعودي اسمه عبدالرحمن طرابزوني معروف على نطاق واسع بنبوغه في برمجة الكمبيوتر، ويسميه أصدقاؤه "بيل جيتس السعودي". عن يسار إيمان شاب سعودي آخر هو تركي الثنيان الذي يحضر للدكتوراه في القانون من جامعة هارفارد، والذي لا ألتقيه، إلا ويشكو لي من عزوف الطلبة السعوديين عن الجامعات الأميركية العريقة وتهيُّبهم منها لتوقعهم الخاطئ، كما يقول الثنيان، بأنها صعبة وبعيدة المنال. وهو رأي يشاركه فيه الملحق التعليمي السعودي في واشنطن، الدكتور مزيد المزيد الذي كان معنا، أو كنا معه، على نفس الطاولة، والمشغول هذه الأيام بسيل من الطلبة السعوديين المبتعثين للولايات المتحدة. ويقول الدكتور المزيد إنهم في الملحقية يقتنصون بين آلاف الملفات التي تصلهم كل يوم من يصفونهم طلبة A+ ويشجعونهم على الالتحاق بالجامعات الأميركية العريقة مثل هارفارد و"ستانفورد" و"يل" و"إم إي تي"، غير أنه لاحظ أن الطلبة ورغم تفوقهم يخشون أن يتقدموا فيرفَضون. إذا ما قبلوا يطاردهم شبح الفشل، ويبدو أن المتفوقين يرعبهم أن يقال عنهم إن فلاناً فشل في جامعة "هارفارد" أو "بيركلي". أعجبني رأي سمعته خلال العشاء عن أحد الأدوار التي ينبغي أن تنيطها منظمة الطلبة العرب بنفسها وهو التعريف بفرص القبول في الجامعات العريقة، وذلك من خلال الاتصال بالمنظمات والاتحادات الطلابية في العالم العربي وخارجه. وهو نفس ما قاله السفير السعودي في واشنطن الأمير تركي الفيصل الذي قبل دعوة الطلبة وسافر لبوسطن لحضور احتفالهم، وعندما شكره أحدهم لتجشمه متاعب السفر رد سمو الأمير أنه يؤمن بأن هناك مصلحة استراتيجية للعرب بدخول هذه الجامعات العريقة والنجاح فيها. وكرر نفس الرأي الدكتور شارلز العشي اللبناني، والذي كرمته المنظمة في حفلها، فقال في كلمته للطلبة العرب إنه لا يريدهم أن يدرسوا للنجاح فقط "من يريد النجاح يحرص على تتبع المواد السهلة، فيحصل فيها على A، ولكني أريدكم أن تأخذوا المواد الصعبة ولا بأس لو حصل أحدكم على B أو أقل من ذلك، المهم أن تتعلم شيئاً صعباً وجديداً". ويبدو أنه فعل ذلك في شبابه فهو اليوم رئيس مجموعة تنتج محركات سفن الفضاء التي تطير إلى الكواكب الأخرى لحساب وكالة الفضاء الأميركية، وبالتأكيد فإن أمراً كهذا يحتاج إلى عالم يؤمن بحل المسائل الصعبة وغير المطروقة من قبل.
ولكن بالرغم من سعادتنا كسعوديين بإنجازات أبنائنا في مختلف الجامعات الأميركية، فإن التهيب من الجامعات العريقة والكبرى لا يزال قائماً، إذ أكد لي بنبرة متحسِّرة الملحق التعليمي الدكتور مزيد المزيد أن عدد الطلبة في جامعة MIT لا يزال دون الأربعة طلاب فقط. ونفس الحال في بقية الجامعات الكبرى وهو أمر يحتاج بالفعل إلى اهتمام من قبل وزارة التعليم العالي، فهذه الجامعات ليست مجرد دور علم، وإنما فيها تصنع الحضارة الإنسانية التي نعيشها اليوم. فجل الاختراعات والأفكار والنظريات، التي ننعم بها اليوم خرجت من معامل ومراكز بحث هذه الجامعات، كما أن هناك تداخلاً كبيراً بينها وبين قطاع الأعمال والإنتاج، وطلابها يتخرجون ليجدوا أن وظائفهم تنتظرهم فوراً في كبرى الشركات.
إن القبول في هذه الجامعات ممكن، فالدولة لن تتردد في تحمل مصاريفها المرتفعة كما يؤكد الملحق التعليمي، كما أن في معظمها نظاماً يعطي مختلف الدول "كوتا" معينة، وكنت قد حصلت على قائمة من الصديق تركي الثنيان بعدد الطلبة الأجانب في جامعة هارفارد التي يدرس فيها، وهي تظهر بوضوح أننا دون "الكوتا" المخصصة لطلاب المملكة الذين لا يزيدون على الخمسة بينما من إسرائيل يدرس 21 طالباً. والحق أن حالنا ليس أسوأ من غيرنا من الدول العربية فمن مصر طالبان فقط ومن لبنان مثلهما.
أعود إلى الحفل حيث الأخبار المفرحة، لقد لفتت انتباهي حالة الصداقة بل الحب بين الطلبة العرب في الجامعة، وهم من مختلف الجنسيات والأديان،