قال حسن الترابي, على ما نقل عنه في محاضرة له في الخرطوم, إن شهادة المرأة كشهادة الرجل وإن هناك تفسيرات ممكنة للنص القرآني الواضح في هذا المجال، والذي يقول إن شهادتها نصف شهادة الرجل. وقال أيضاً إن زواج المسلمة بغير المسلم جائز كما هو زواج المسلم بغير المسلمة.
وقد يوفر تمسك الترابي بهذه الفتوى الأخيرة حلاً لألوف من الحالات الإنسانية التي يسمع بها المرء هنا وهناك ويظهر فيها الدين وكأنه مقطع للعلاقات الاجتماعية والإنسانية بدل أن يكون المبادر لتعميقها. معارضو الترابي في هذه الفتاوى هم في الغالبية الكاسحة من علماء النص الذين ترتعد فرائصهم كلما نطق عالم خارج سربهم بفتوى فيها اجتهاد. يظن علماء النص أن العلم والفقه هو في حفظ النصوص الطويلة والحواشي ولطم السائل بها عند سؤاله عن مسألة معينة. والواقع أن وظيفة الفقيه النصي في عالم اليوم صارت لا معنى لها, أي أن يحفظ نصوصاً ثم يرشقها في وجه السائل. فكل هذه النصوص من متون الأحاديث, إلى الصحاح, إلى تفاسير القرآن, إلى مرويات الصحابة, إلى قصص التابعين، كلها موجودة على الإنترنت وأقراص الكمبيوتر. باختصار، على السادة الفقهاء النصيين أن يستقيلوا دفعة واحدة فلم تعد للمجتمع حاجة إليهم. وعملهم الراهن في أغلبه لا يتعدى نشر صورة سيئة عن الدين, والتغرير بالغالبية الأمية في مجتمعاتنا، وهي الغالبية التي تحرص على احتضان التدين والالتزام به. هذه الغالبية تحتاج إلى فقهاء مجتهدين, لا نصيِّين, يواجهون مشاكل اليوم بفتاوى متولدة من واقع اليوم, وليس بالحفر في القرون الماضية حيث لا الزمان ولا المكان ولا الحوادث متطابقة.
رجال الدين النصيون يفضلون السلامة وعدم نقاش هذه الأمور وتركها تأكل في عقول الأجيال الشابة, وتنهش من قناعاتهم بصمت. وكل ما يبدعون فيه للرد على مثل تلك التساؤلات هو القول إنها "تخرصات رأي" وتعتمد على العقل ولا تلتزم بالنص الواضح الذي يحرِّم ويحلِّل. والمشكلة تقع هنا بالضبط، وهي نعم إن تلك التساؤلات وغيرها كثير تلح بلجاجة على عقول ملايين من مسلمي اليوم, لكن ليست ثمة جرأة لنقاشها. وعندما يأتي صوت من داخل الفكر الإسلامي مثل حسن الترابي ويجتهد فيها فإنه يُواجه بكل تهم الخروج عن الملة والزندقة وإرضاء الغرب!
في كل يوم وساعة يواجه المسلمون في أيامنا هذه مسائل لا يجدون لها حلولاً بالتفسيرات الجامدة للنصوص. وعندما يلجأون إلى الفقهاء أو المفتين حتى يساعدوهم في إراحة ضميرهم الديني بإجراء توافق بين تلك المسائل والنص الديني فإنهم بعفوية تدينهم الطبيعي يعبرون عن احترامهم وحرصهم على أن تظل ممارساتهم في إطار من الشرعية الدينية. لكن عندما يُقرَّعون مرة تلو مرة حتى لمجرد طرحهم تلك المسائل, وعندما يُطالبون بأن يغلقوا عقولهم ويحظروا عليها حتى التفكير, فإن الفقهاء والمفتين الأشاوس يتمكنون من إسكاتهم في الظاهر, لكنهم يعمقون شكوكهم في السرائر.
صحيح أن حسن الترابي ليس محل إجماع لا سياسياً ولا فقهياً. لكن رغم خلافيته وعدم الإجماع عليه تعتبر آراؤه الاجتماعية، في نظر البعض، طليعية، وستصبح هي الغالبة لكن بعد وقت طويل يكون فيه المسلمون قد خسروا سنوات إضافية تضاف إلى العقود الماضية.