فيما إذا سارت الأمور وفق الخطة المرسومة لها, فإن من المقرر أن توحد مجموعة دول مجلس التعاون الخليجي, عملتها بحلول عام 2010, على أن تدار هذه العملة بواسطة بنك مركزي خليجي جديد, يكون مقره في أبوظبي. وما هذا التطور, سوى مؤشر إضافي على تنامي الوزن المالي والنضج السياسي لمجلس التعاون الخليجي. والمعلوم أن دول هذا المجلس مجتمعة, قد حققت عائدات نفطية تبلغ قيمتها نحو 300 مليار دولار خلال العام الماضي وحده, وهو لاشك مبلغ هائل, يتوقع لدول المجلس أن تتجاوزه خلال العام الجاري 2006. يذكر أن المجلس كان قد تم تأسيسه في مايو من عام 1981, على أنه منظمة إقليمية تضم فضلاً عن دولة الإمارات العربية المتحدة، كلاً من البحرين والكويت وعُمان وقطر والمملكة العربية السعودية. ويبلغ تعداد سكان دول هذه المنظمة, ما يقدر بحوالى 33 مليون نسمة. وتعد المملكة العربية السعودية, أكبر هذه الدول, وتوجد بها أمانة المجلس في عاصمتها الرياض, برئاسة عبدالرحمن بن حمد العطية, الأمين العام للمجلس. إلى ذلك تحتل دولة الإمارات العربية المتحدة, المرتبة الثانية من حيث الوزن الاقتصادي, فضلاً عن أهميتها وحيويتها الاقتصادية العامة بالنسبة للمنطقة ككل.
وكما هو معلوم للقاصي والداني, فإن لدول مجلس التعاون الخليجي, نسبة 45 في المئة من إجمالي الاحتياطي العالمي من النفط, في حين تصل نسبة مساهمتها الإنتاجية في النفط الخام العالمي, إلى 20 في المئة. وفي كل هذه الأرقام والإحصاءات ما يكفي لإعطاء فكرة عامة عن مدى الأهمية الاستراتيجية لمنطقة الخليج, وحجم الاهتمام الذي تحظى به من قبل دول العالم الصناعي. ويستحيل أن تخطئ عين الزائر للمنطقة, تلك العلاقة البادية بين الانتعاش النفطي الكبير الذي يشهده الخليج, وما يتيحه من فرص الدخول إلى أعتاب مرحلة جديدة وسريعة من الحداثة, التي تمكن دول المجلس من التفوق على مثيلاتها العربيات المجاورة. وبالنتيجة وعلى الرغم من التنافس الداخلي الذي لا ينقطع بين أعضائه, يبرز مجلس التعاون الخليجي باعتباره المركز الأقوى مالياً, وربما الأهم سياسياً, في منطقة الشرق الأوسط بأسرها. وما توحيد العملة وتعزيز الاندماج والتكامل الاقتصادي بين دوله, سوى أداة رافعة أخرى لدور المجلس البالغ الأثر على المنطقة ككل.
لكن على أية حال, فإن للثروات الضخمة جرائرها وتبعاتها ومسؤولياتها الجسام عادة. ولذلك فإن أمام المجلس الآن تحديين رئيسيين, أولهما توخي الترشيد والحكمة في إنفاق أمواله وثرواته الضخمة, بما يؤمّن آفاق المستقبل الاقتصادي الخليجي خلال العقود المقبلة. ولا يعني هذا شيئاً سوى تنويع الاقتصاد ومصادر الدخل القومي, حرصاً على تفادي الاعتماد التام على النفط وحده. كما يتطلب إنشاء صناعات وخدمات جديدة تضمن خلق الوظائف لكثافة سكانية تنمو بمعدل 3.5 في المئة سنوياً. كما تقتضي الحكمة أيضاً, تقليص دور جهاز الدولة الحكومي في الاقتصادي, مقابل تشجيع نمو القطاع الخاص, بالنظر إلى أهمية دوره سواء في تنويع الاقتصاد ومصادر الدخل القومي, أم في خلق الوظائف الجديدة. والمعلوم أن هذه الإصلاحات ليست بالمهمة السهلة التي يمكن إنجازها في طرفة عين, غير أنها ضرورية للغاية من أجل ضمان الاستقرار والازدهار الاقتصادي المستقبليين. ومع بلوغ أسعار النفط العالمي إلى ما يتجاوز الـ70 دولاراً للبرميل الواحد, فما من أحد يدري المدى الذي يمكن أن يستقر عليه حجم الطلب الحالي على النفط. وبحكم منطق العرض والطلب, فإن ما يرتفع اليوم, يظل قابلاً للانخفاض في الغد القريب.
أما ثاني التحديات الرئيسية التي تواجه دول المجلس, فمنشؤه ومردّه إلى البيئة الأمنية المضطربة المحيطة به. وبوسع المرء التكهن والقول إن حكام وقادة دول مجلس التعاون الخليجي, على وعي عميق بتعرض بلدانهم لخطر النزاعات المزلزلة المحيطة بها, لاسيما المأساة الحالية التي يشهدها العراق, وتصاعد وتائر العنف الدموي, الذي يلوح من ورائه شبح الحرب الأهلية. ثم هناك المواجهة النووية الخطرة الماثلة الآن بين واشنطن وطهران, علاوة على استمرار النزاع الإسرائيلي الفلسطيني, الذي لا يزال قادراً على تسميم أجواء المنطقة السياسية, مثلما فعل طوال الستين عاماً الماضية من تاريخه الملتهب.
وتقع على عاتق مجلس التعاون الخليجي مسؤولية المساهمة في حل وتسوية هذه النزاعات جميعاً, وعليه ألا يألو جهداً في ذلك. وكيف للبيت الخليجي أن ينجو, فيما لو تشرذم العراق واندلعت فيه الحرب الأهلية, وفيما لو هاجمت الولايات المتحدة إيران, أو ضربت المجاعة الفلسطينيين؟ وكيف للخليج أن ينام آمناً قرير العين, في حين يغرق العالم العربي المحيط به في دوامة من الفوضى واللاأمن؟! وإقراراً بهذه الحقيقة, فإنه لمما يريح الضمير ويهز المشاعر, أن تتسابق دول الخليج إلى مد يد العون للفلسطينيين المهددين بالإفلاس. وفي ذلك ما يؤكد حقيقة أن التضامن العربي ليس شعاراً ولا مجرد كلمات خاوية جوفاء.
وعودة إلى الحديث عن توحيد العملة الخليجية, فقد كانت صحي