عبّر مصرفيون خليجيون مؤخراً، صراحة عن قلقهم بشأن التنامي الملحوظ في معدلات الاقتراض الشخصي للمضاربة في أسواق الأسهم التي تمر بمرحلة عدم استقرار ملحوظة. ويشير الخبراء إلى أن الخطورة تكمن في أن هناك إيحاء أو مناخاً عاماً يوحي لصغار المستثمرين في أسواق الأسهم، بأن كل شيء يسير في اتجاه واحد، وهو الربح بالطبع، وحذروا من أنه إذا لم يحدث ذلك فلا توجد شبكات أمان محددة للتعامل مع الأخطار والتداعيات السلبية المفاجئة، التي لا تقتصر على الأموال المقترَضة من المصارف، بل تطال الاستقرار الاجتماعي، وربما تفرز تداعيات أمنية، لأن هناك قناعة لدى الأفراد، أو معظمهم على الأقل، بأن الحكومات مسؤولة عن التدخل وحماية أسواق الأسهم من أي تراجعات مفاجئة.
ورغم أن تحذيرات الخبراء هذه قد لا تلقى آذاناً صاغية من جانب المصارف الخليجية، التي تشير التقديرات إلى أن إيراداتها قد زادت بأكثر من 50% في الربع الأول من العام الجاري، وهي عائدات قادتها الاكتتابات العامة في معظم الأحوال، فإن من الضروري دراسة الأخطار المحتملة جراء مواصلة سياسات الإقراض الشخصي الحالية التي تلعب دوراً بارزاً في تناميه، إذ تشير الإحصاءات، إلى أن حجم القروض الشخصية لأغراض تجارية واستهلاكية قد بلغ في سبتمبر 2005 نحو 89 ملياراً و391 مليون درهم بنسبة زيادة تقدر بنحو 100% مقارنة بعام 2003!!.
التقديرات تشير إذاً إلى أن المصارف تحقق أرباحاً هائلة من وراء التسهيلات والقروض عالية الفوائد، وبالتالي فليس من المتوقع أن تأخذ باعتبارها حجم الأخطار المادية والاجتماعية جراء فقدان المقدرة على الوفاء بالقروض، حتى لو طالت هذه الأخطار المصارف نفسها على المدى البعيد، لأن حجم الأرباح لم يزل يفوق بمراحل حجم أية أخطار محتملة، ولم تزل أرقام المكاسب تفوق أيضاً أرقام القروض السيئة أو المشكوك في تحصيلها، وبالتالي سيستمر التنافس على جذب العملاء من خلال سياسات إقراض تنافسية تتضمن مغريات عديدة سواء في التسهيلات الممنوحة للاكتتابات الجديدة، أو في المدى الزمني لاسترداد القروض. ورغم تداول ملف القروض الشخصية على صعد رسمية عدة وفي مناسبات مختلفة، فإن الحلول الجذرية لم تجد طريقها بعد إليه، نظراً لأن النقاشات تتمحور في بعض الأحيان حول أسباب الظاهرة ونتائجها، فيما تأتي الحلول في أحيان أخرى مبتسرة ومنقوصة ويغيب عنها العنصر الفاعل والأهم، ممثلاً في التنسيق مع المصارف، التي هي طرف رئيسي في المعادلة، ومن دون الاتفاق معها على فهم مشترك وحلول وسطية يصبح الحديث عن المخارج والبدائل مجرد ثرثرة لا يتجاوز أثرها المدى الجغرافي المحيط ببيئة النقاش.
الواضح أيضاً أن الرهان على تعزيز الوعي الجمعي بأخطار ثقافة القروض الشخصية لن يحل المشكلة بمفرده في ظل غلبة عوامل أخرى مؤثرة تغذي هذا الاتجاه وتؤججه، وبالتالي فالحل في إعادة النظر بالقواعد الحالية للإقراض، والحد من التنافس بين المصارف حول خرق سقف القواعد الائتمانية السائدة، ودراسة تخفيض سقف القروض الشخصية، وأيضاً الأمدية الزمنية للسداد. وبالتالي فالكرة تعود تلقائياً إلى ملعب المصارف المركزية، التي هي الضامن الرئيسي لاستقرار سوق الصرف، وعليها أن تشدد آليات الرقابة لرصد الخروقات والتجاوزات الواضحة في سياسات الائتمان.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية