عندما جئت إلى الولايات المتحدة لأول مرة في سن العشرين تقريباً، كنت مصحوباً بحزمة ضخمة من الوثائق والأوراق الثبوتية التي تؤكد سلامة موقفي القانوني. ليس هذا فحسب بل كنت أحمل معي أيضاً صورة أشعة "أكس" تثبت أنني سليم ومعافى من الناحية الصحية، بالإضافة إلى تقارير من شرطة بلدي الأصل تثبت أنه لا يوجد لدي سجل إجرامي، وكشف من البنك بسلامة موقفي المالي، وصورة من سجل بصمات الأصابع لإثبات شخصيتي. وعندما وصلت إلى ميناء نيويورك قادماً على متن سفينة ركاب تعمل على الخط ما بين أوروبا والولايات المتحدة، كان يتعين عليّ أنا وغيري من المهاجرين القادمين على السفينة الخضوع لاستجوابات صارمة من ضباط الهجرة في صالون السفينة، قبل أن يسمح لنا بالنزول ووضع أقدامنا على البر الأميركي.
ولقد شعرت بالفخر بعدها بمدة، عندما استلمت من السلطات المختصة "الجرين كارد" الذي يثبت أن إقامتي في الولايات المتحدة شرعية، وأنه قد أصبح مسموحاً لي بالعمل. وعندما كنت أغادر البلاد من وقت لآخر في زيارات للخارج، كنت أشعر بالسعادة عندما كنت أتوجه لمصلحة الضرائب الداخلية الأميركية، كي أقوم بدفع الضرائب المستحقة عليّ حتى اليوم الذي يسبق مغادرتي أميركا.
وبعد ذلك، وبعد أن أصبحت مواطناً أميركياً بصفة رسمية، وحصلت على جواز السفر الأميركي، فإنني خضعت للمزيد من الاختبار والتدقيق، للتأكد من أنني أجيد القراءة والكتابة بالإنجليزية، وأنني قادر على قراءة وفهم الدستور الأميركي، ومعرفة أسماء الوزراء، والمسؤولين المنتخبين وغير ذلك، وللتأكد كذلك من حسن سيرتي وسلوكي.
وعندما توليت منصباً رسمياً في الحكومة الأميركية فإنني خضعت لعدد كبير من الاختبارات المكثفة بواسطة محققي مكتب التحقيقات الفيدرالية (إف. بي.آي) من أصحاب التقاطيع الصارمة، والنظرات النفاذة الذين لم يكتفوا بإجراء تلك التحقيقات معي، وإنما أجروها أيضاً مع أفراد عائلتي وزملائي وأصدقائي لكي يعرفوا ما إذا كان هناك شيء ما في خلفيتي يمكن أن يكون سبباً في إحراج الرئيس الأميركي، أو يجعلني غير مؤهل للتعامل مع أسرار الدولة.
إذن يمكن القول إنني قد خضعت على مدار أعوام طويلة للكثير من تلك الاختبارات والتحقيقات الرسمية للكشف عن خلفيتي الاجتماعية والسياسية، دون أن أبدي أي نوع من التذمر أو الشكوى. بناء على ذلك، فإنني لا أعترض على خضوع الآخرين ممن يريدون الإقامة في الولايات المتحدة أو الحصول على جنسيتها، لنفس الإجراءات والتحقيقات للتأكد من أن كل شيء على ما يرام بالنسبة لهم، وأنه ليس هناك ما يحول دون إعطائهم الإذن بالإقامة أو منحهم الجنسية الأميركية.
على الرغم من ذلك، فإننا عندما نلتفت حولنا وخصوصاً في الأجزاء المزدهرة من ولاية أوتاوا، والولايات الأخرى القريبة منها مثل نيفادا، وأريزونا، ونيومكسيكو، وكاليفورنيا، وكولورادو، فإننا نرى عدداً هائلاً من المهاجرين القادمين من الدول الواقعة وراء الحدود الجنوبية للولايات المتحدة، والذين لم يمروا بنفس الإجراءات التي مررت بها، عندما جئت إلى هذه البلاد لأول مرة، أو حتى تلك التي مررت بها بعد أن حصلت على "الجرين كارد"، أو بعد أن أصبحت مواطناً أميركياً كامل الأهلية. وهؤلاء المهاجرون يعملون في مواقع البناء، وفي مطاعم الوجبات السريعة، وكعمال نظافة في المنازل والمكاتب، كما يعملون في بعض الولايات كعمال زراعيين مؤقتين في الحقول والمزارع الكبيرة. وهؤلاء المهاجرون يحصلون من خلال ممارستهم لهذه المهن على أجور تقل عن المعدل الأدنى للأجور بحكم القانون، على الرغم من أن الكثيرين منهم قد أقام في هذه الولايات بصفة غير شرعية لفترات طويلة وتزوجوا، وأنجبوا أطفالاً حصلوا على الجنسية بموجب القانون الأميركي الذي ينص على منح الجنسية لكل من يولد على الأراضي الأميركية. بعض الأميركيين يقولون إن هذا التدفق من المهاجرين غير الشرعيين عبر الحدود الجنوبية للولايات المتحدة، يجب أن يتوقف من خلال تشديد الرقابة البوليسية على تلك الحدود لمنعهم من التسلل، وأيضاً من خلال تطبيق نفس القواعد والإجراءات التي طبقت على جميع المهاجرين الجدد عبر السنين على المقيمين على من يتقدم منهم بطلب للحصول على الجنسية الأميركية.
المشكلة أن عدد مثل هؤلاء المهاجرين غير الشرعيين قد وصل إلى 12 مليون مهاجر وأن الكثيرين منهم قد أصبحوا مندمجين تماماً في منظومة الحياة الأميركية، بحيث يصعب ترحيلهم خارج الحدود كما يطالب البعض بذلك، نظراً للصعوبات المقترنة بالتعرف عليهم وصعوبة ترحيل 12 مليون مهاجر مرة واحدة، وكذلك صعوبة الفصل بينهم وبين أبنائهم الذين ولدوا على الأرض الأميركية وحصلوا بالتالي على جنسيتها، وصعوبة استمرار بعض القطاعات وعلى الأخص القطاع الزراعي في العمل بدونهم.
في الأسبوع الماضي، كاد مجلس الشيوخ الأميركي يتوصل إلى تسوية يتم بموجبها حماية الحدود الأميركية، وترشيد وضعية العمال المهاجرين غير الشرعيين عن طريق إخضاعهم لسلسلة من الإجراءات التي تؤهلهم في الن