دائماً تتسم الحقيقة بأن لها أكثر من وجه، والكثير من القضايا والملفات "حمّالة أوجه" تتوقف رؤيتها على الصور النمطية المسبقة التي يحملها الرائي وأيضاً ـ وهذا هو الأهمّ ـ على مدى استعداده لتبنّي وجهة نظر موضوعية والبحث عن الحقائق المجردة. وإذا كنا نرى أن التقارير الصادرة عن بعض المنظمات الدولية حول أوضاع العمالة الوافدة في الإمارات تنطوي على كثير من المغالطات وتحريف الحقائق، وإذا كانت التقارير الإعلامية التي تتناول الموضوع ذاته تميل إلى المبالغة الشديدة والنفخ في تفاصيل صغيرة لممارسات سلبية لا ترتقي إلى حد "الظاهرة"، وتميل إلى تضخيم ما تصفه بـ "الوجه الآخر من الحلم"، فإن الردّ العملي على هذه المعالجات الإعلامية يتمثل في إظهار الوجه الآخر من الحقيقة.
وأحد تفاصيل الحقيقة سُلّطت عليه الأضواء، أمس، وذلك في افتتاح الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، المرحلة الأولى من المجمع السكني للعمال بمدينة أبوظبي الصناعية (إيكاد 1)، وهو بداية لإنشاء سلسلة مجمعات سكنية عمالية نموذجية، تتوافر فيها المواصفات القياسية التي تضمن وجود جميع المرافق والخدمات بأسعار مدروسة. وهي خطوة تكرس وتعكس تماماً حرص الدولة على التعامل بطريقة حضارية مع العمالة الوافدة، وتدحض قطعياً وجود أي سياسات منهجية لغضّ النظر عن الممارسات السلبية تجاه هؤلاء كما زعمت إحدى المنظمات مؤخرا، علماً بأن بناء هذا المجمع وتخطيطه قد تم منذ فترة ليست بالقليلة، ما يؤكد أن هناك توجهاً رسمياً متجذراً وواضحاً لمعالجة الثغرات القائمة في هذا الملف، على اعتبار أن دولة الإمارات التي اشتهرت باحترام آدمية الإنسان وتسامحها وتحضّر سياساتها، لن تقبل مطلقاً أن يعيش على أرضها مئات الآلاف من البشر في ظروف غير إنسانية، وهي التي تمدّ الأيدي لإغاثة الفقراء والمحتاجين في مختلف بقاع الأرض. وأحد تفاصيل هذه الحقيقة أيضاً يتمثل في المقترحات التي أعدتها وزارة العمل تمهيداً لرفعها إلى مجلس الوزراء لاتخاذ الإجراءات اللازمة لاستئصال ظاهرة تأخير دفع الرواتب، من خلال دراسة وافية عن أسبابها ومبررات حدوثها.
وهناك الكثير من البراهين التي تؤكد موقف دولة الإمارات من أي خروقات أو تجاوزات تفتئت على حقوق العمالة الوافدة، وتؤكد أيضاً أن معدلات الإساءة لا تكاد تتجاوز 0.4% من إجمالي عدد العمالة الوافدة في سوق عمل يضم نحو مليونين ونصف المليون من العمالة الوافدة، وبالتالي يبدو حجم التضخيم في الضجة الإعلامية القائمة على تحويل سلوكيات سلبية فردية إلى ظاهرة.
لا يمكن بالقطع نفي وجود إشكاليات عمالية، ففي ظل وجود هذا العدد الهائل من العمالة الأجنبية، وفي ظل تسارع وتيرة النمو وما يصاحب ذلك من تضخم أعداد العمالة، وما يرتبط بذلك كله من توابع ومشكلات مالية وإدارية، يصبح الحديث عن وجود اختلالات أمراً وارداً، وبنسب ضئيلة ومحدودة سرعان ما تتم معالجتها والسيطرة عليها، وبالتالي فإن الفيصل والمهم هو موقف الدولة الرسمي من أي تجاوزات، وهذا هو الوجه الآخر من الحقيقة، لأن الرفض الرسمي للافتئات على حقوق العمال هو سياسة محسومة وواضحة لا يمكن التشكيك فيها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية