في نهاية الأسبوع الحالي، سيجتمع في واشنطن مسؤولون ماليون من مختلف أرجاء المعمورة، لمناقشة الفرص والتحديات التي تواجه الاقتصاد العالمي. وهناك تفاؤل قوي يسود الأجواء حيث يتوقع أن يكون عام 2006 هو العام الرابع على التوالي الذي يتم فيه تحقيق معدل نمو عالمي يتجاوز 4 في المئة، مما يشكل ظاهرة تحدث لأول مرة منذ بدايات عقد السبعينيات من القرن الماضي.
ولكن الأجواء الصحوة بالذات هي الأجواء التي تتطلب منا يقظة خاصة والتنبه لأي سحب تتجمع في الأفق. ففي يوم الجمعة الماضي، استضاف صندوق النقد الدولي مؤتمراً كان موضوعه الرئيس هو عدم التوازن الاقتصادي العالمي، وهي العبارة المتداولة هذه الأيام للدلالة على التدفقات الرأسمالية والتجارية، التي نتجت عن النمو الإقليمي غير المتساوي، وأسعار الصرف غير المرنة، واعتماد بعض المناطق المفرط على الصادرات- خصوصاً إلى الولايات المتحدة- لدفع اقتصاداتها قدماً إلى الأمام.
وعلى الرغم من أن هذا الموضوع ليس من الموضوعات الجديدة بالنسبة للمسؤولين الماليين، فإن ما أتمناه هو أن يكون هذا المؤتمر بداية لمرحلة أكثر شمولاً للمناقشات الهادفة إلى التوصل لفعل حقيقي. ومما يذكر أن معظم المناقشات التي دارت حول هذا الموضوع حتى الآن، قد أشارت إلى الولايات المتحدة باعتبارها السبب الوحيد لهذا التحدي الذي نواجه، والدولة القادرة أكثر من غيرها على حله. يقول أصحاب هذه الحجة، إنه إذا ما قامت الولايات المتحدة باتخاذ إجراءات أكثر جسارة لمعالجة عجزها المالي- أي زيادة الضرائب- فإن عدم التوازن العالمي سيختفي دون التأثير على أي دول أخرى.
والحقيقة أن هذا الرأي يتجاهل نقطتين مهمتين: الأولى، أن السياسة المالية، وإن كانت تعتبر من الأدوات الفعالة في الاقتصادات المحلية، إلا أنها تظل محدودة التأثير عند استخدامها لمعالجة حالات عدم التوازن الخارجية. الثانية، أن الخطوة النهائية نحو تحقيق توازن الحساب الجاري في الولايات المتحدة ستتطلب إنقاص فوائض الحساب الجاري في جميع الدول الأخرى.
وبما أن اقتصاد الولايات المتحدة ينمو بقوة في الوقت الراهن، فإن إدارة بوش قد أصبحت مستعدة لخفض العجز إلى النسبة المستهدفة وهي 1.4 في المئة من الناتج القومي الإجمالي بحلول عام 2009.
وعلى الرغم من أن تخفيض عجز الموازنة يعتبر من السياسات الجيدة في هذا المجال، فإنه ينبغي الإشارة إلى أن الحقائق التاريخية والأبحاث التجريبية، قد بينت أنه من غير المرجح أن يكون لخفض العجز المالي أي تأثير ذي معنى على عجز الحساب الجاري الأميركي في الوقت الراهن (العجز في ميزان المدفوعات نتيجة زيادة الواردات عن الصادرات). وهذا لا ينطبق على الاقتصاد الأميركي فقط، حيث تشير التحليلات التي أجريت لـ 13 اقتصادا من اقتصادات العالم المتقدمة على مدى العشرين عاما الماضية، إلى عدم وجود علاقة إحصائية بين التوازنات المالية، وتوازنات الحسابات الجارية.
فالتحليلات ذات الصبغة الأكثر رسمية التي تم إجراؤها بواسطة الاحتياطي الفيدرالي، وصندوق النقد الدولي، تلقي بالمزيد من الشكوك على العلاقة بين العجوزات المالية والحسابات الجارية. وحتى إذا ما استخدمنا تقييم صندوق النقد الدولي الأوسع نطاقاً، فسنتوصل إلى نتيجة مفادها أن النجاح في تحقيق التوازن في الموازنة الفيدرالية، سيؤدي فقط إلى تخفيض عجز الحساب الجاري الحالي من نسبته الحالية وهي 7.0 %من الناتج القومي الإجمالي إلى 5.9 في المئة. وعلى رغم ضآلة هذا التغيير فإنه سيتحقق بتكلفة كبيرة، حيث تشير دراسة صندوق النقد الدولي إلى احتمال حدوث خسائر مادية تقدر بـ 300 مليار دولار على مدى خمسة أعوام، بالإضافة إلى خسارة آلاف الوظائف، في حين تشير دراسة "الاحتياطي الفيدرالي" إلى أكلاف أعلى بكثير. ولذلك نقول إنه من الأهمية بمكان أن يتم الاحتفاظ بمعدلات نمو جيدة في الولايات المتحدة مع الاستمرار في معالجة موضوع عجز الحساب الجاري. والمسؤولية هنا مشتركة. فالولايات المتحدة تقوم بدورها في هذا المجال حيث قامت بتبني سياسات تهدف لتخفيض العجز المالي، وزيادة المدخرات، ويبقى أن تقوم الاقتصادات الأخرى بأداء دورها أيضاً.
السبب الذي يدعوني إلى قول ذلك إن هناك الكثير من الدول التي أصبحت تعتمد اعتماداً كاملاً على تصدير المنتجات إلى الولايات المتحدة الأميركية كي تحقق هذه الدول نموها الاقتصادي. وهذه الدول مطالبة بتحقيق المرونة في اقتصاداتها، وزيادة قدراتها الكامنة على تحقيق نمو قائم على محددات داخلية. فقيامها بذلك سيوفر مزايا رئيسية ومهمة للاقتصاد العالمي، وأساسا قوياً للنمو المستدام.
وعجز الحساب الجاري الأميركي الحالي يعكس نسبة الاستثمار المنخفضة نسبياً في العديد من الدول الأخرى، نظراً لسعي رؤوس الأموال للحصول على عوائد ضخمة من خلال الاستثمار في السوق الأميركي السريع النمو. ولكي يتسنى للاقتصادات الرئيسية في اليابان وأوروبا اجتذاب المزيد من رؤوس الأموال للاستثمار في الداخل، فإنها يجب أن تق