ها هنا جرت أمام عيون الآباء بالذات, "أفعال الظلام". لكن وقبل أن يشطح بكم الخيال بعيداً –إلى ما كنت قد انجرفت إليه لبرهة- فإن ما يجري هنا لا علاقة له البتة بالفحش, بقدر ما هو حلقة جديدة من مسابقة "ويليامز لتوفير الطاقة", جرى تنظيمها في إطار الاحتفال بيوم الأرض. وفي هذه الحلقة, أجريت المنافسات بين شتى الفصول والمدارس, لاختبار أيها أبرع وأكثر توفيراً للطاقة. وتم تشجيع الطلاب والتلاميذ على إطفاء الأنوار في كل مرة يغادرون فيها الفصول وقاعات الدراسة, وعلى فصل توصيلات شاحنات الهواتف الجوالة عندما لا تكون تحت الاستخدام, وكذلك تم تشجيعهم على استخدام ضوء النهار العادي للدراسة, واستخدام إضاءة خاصة للغرض نفسه ليلاً, فضلاً عن استبدال لمبات الإضاءة التقليدية العادية باللمبات المشعة الحافظة للطاقة. وهكذا أصبح الشعار الرئيسي للمنافسة "أفعال الظلام".
وقد أوحت إلي تلك المنافسة المدرسية بالفكرة التالية: لمَ لا تتبنى كافة الكليات هدفاً ترمي به إلى تحرير نفسها من الكربون, وخفض إجمالي انبعاثاتها من غاز ثاني أكسيد الكربون إلى درجة الصفر؟ ومن رأيي الشخصي أن هدفاً كهذا, يجب أن يلف حوله حركة بيئية قومية. لمَ لا وفي نهاية المطاف, فإن أكثر المتضررين من التأثيرات السالبة للتغير المناخي, وحروب الطاقة واستبداد الدول المصدرة للنفط –كما هي حال إيران- إنما هم أطفال اليوم أجيال المستقبل. لكن وعلى رغم أهمية هذا الهدف, إلا أن الاهتمام بقضايا التغير المناخي والطاقة, لا يزال هواية للطلاب والتلاميذ في معظم المدارس ومؤسسات الدراسة, أكثر من كونه حملة منظمة.
ولهذا فإني أحض الطلاب والتلاميذ على الصحو والانتباه لكارثة استنشاقهم اليومي لغاز ثاني أكسيد الكربون. ولمَ لا يدفع الطلاب مدارسهم باتجاه تبني "أفعال الظلام"؟ لمَ لا يسيطرون على مباني إدارات مدارسهم, ويستولون على مكتب مدير المدرسة, أو يقتحمون اجتماع مجلس أمناء الكلية أو المدرسة, حتى يرغموا الإدارة على جعل مؤسساتهم التعليمية خالية تماماً من غاز ثاني أكسيد الكربون؟ وفي تلك الأثناء, ينبغي على الطلاب حظر استخدام السيارات عالية الاستهلاك للوقود داخل أو خارج فناء المدرسة أو الكلية.
وليس في إنجاز مهمة كهذه أدنى صعوبة. ففي وسع الطلاب أنفسهم حساب الطاقة التي تستهلكها جامعاتهم ومدارسهم, وكذلك قياس نسبة انبعاثات المؤسسة التعليمية من غازات ثاني أكسيد الكربون. ويمكن فعل ذلك ابتداءً من نظم التدفئة والتبريد داخل المباني, انتهاءً باستهلاك نظم النقل والترحيل المستخدمة فيها. هذا وتقدم بروتوكولات غاز بيت الزجاج, معايير متفقاً عليها دولياً لقياس انبعاثات غازات بيت الزجاج. وبهذه المناسبة فإنه في الإمكان تحميل البرتوكولات آنفة الذكر من الموقع الإلكتروني التالي www.ghgprotocol.org وما أن يحدد الطلاب معدل انبعاثات جامعتهم من غاز ثاني أكسيد الكربون, فإن الخطوة التالية مباشرة –كما تراها "جلين بريكيت", نائبة رئيس أولى لمجموعة "المحافظة البيئية الدولية"، هي حث طلاب الدراسات العليا المتخصصين في مجالي الهندسة والعلوم, على تطوير خطتهم الشاملة, الرامية إلى خفض استهلاك الجامعة من الوقود الأحفوري. ويمكن لهذه الخطة أن تشمل استخدام الإضاءة الأكثر كفاءة في استهلاك الطاقة, وكذلك خفض استهلاك الطاقة نفسها في كل من نظم التبريد والتدفئة, إلى جانب اللجوء للسيارات المهجنة, وتحسين نظم المباني والتصميمات الهندسية, بما في ذلك استخدام الطاقة القابلة للتجدد, مثل الألواح الشمسية. وفي سبيل التحييد التام للجامعة أو المدرسة لانبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري, فلابد لها من تمويل مشروع خاص بذلك, يتعذر تحقيقه دون توفير الأموال اللازمة له.
وفي الإمكان أيضاً تمويل مشروعات المحافظة على أشجار الغابات المطرية في الأمازون وإفريقيا, حتى لا تحترق تلك الغابات, فتصبح مصدراً أساسياً لانبعاث الغازات التي تتسبب في ظاهرة الاحتباس الحراري. وقد فعلت فرقة "بيرل جام" خيراً في رحلتها الأخيرة إلى إفريقيا, إذ ساهمت في تمويل الأهالي وحثهم على المحافظة على الغابات المطرية في مدغشقر. وفي وسع "معهد الموارد الدولية" تقديم استشاراته لأي جامعة أو مؤسسة تعليمية راغبة في التخلص التام من انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون. ذلك أن مكاتب هذا المعهد خالية تماماً من الغاز المذكور, على حد تصريح رئيسه "جوناثان لاش". وقد حدث للمعهد أن بادر بالفعل, بتمويل استبدال نظام التدفئة في إحدى مدارس بورتلاند, بسبب عدم كفاءته في توفير الطاقة, وكثرة ما ينجم عن استخدامه من غازات تتسبب في احترار الأرض.
هذا وقد برع "آل جور" في التعبير البليغ في هذا المقام بقوله: "لقد أفلح جيل آبائنا العظيم, في تغيير الوجه المظلم للفاشية, بخوضه الحرب ضدها, وتشييده لتلك المؤسسات التي حفظت الأمن والسلام, ووفرت الحرية للكثيرين على سطح كوكبنا هذا. واليوم, فإن على الجيل الحالي –والحديث لا يزال لآل جور- واجباً شبيهاً ومماثلا