في ندوة عقدت في مقر حزب "الأمة" السوداني المعارض في الخرطوم، تحت عنوان "دور المرأة في تأسيس الحكم الراشد"، طرح د. حسن عبدالله الترابي مجموعة فتاوى جديدة له: الأولى تتعلق بزواج المرأة المسلمة من الكتابي مسيحياً كان أم يهودياً، والثانية تتعلق بحجاب المرأة ولبسها للخمار، والثالثة تتعلق بقيام المرأة بتقدم صفوف المصلين وإمامتها للصلاة، والرابعة تتعلق بتساوي المرأة والرجل في الشهادة، والخامسة تتعلق بقوامة الرجل على المرأة، حيث أفتى بآراء مغايرة لما هو سائد في كافة بلاد المسلمين.
فحول فتواه الأولى قال الترابي إن تحريم زواج المسلمة من الكتابي هو مجرد أقاويل وتخرصات وأوهام وتضليل، الهدف منها جر المرأة إلى الوراء، وإن منع زواج المرأة المسلمة من غير المسلم ليس من الشرع في شيء، والإسلام لم يحرمه نصاً لأنه لا توجد آية قرآنية أو حديث نبوي شريف يحرم زواج المسلمة من الكتابي مطلقاً. ثم بعد ذلك برر بأن المنع الذي كان موجوداً كان مرتبطاً بالحروب التي خاضها المسلمون ضد غيرهم، وأن ذلك المنع زال بزوال الأسباب التي دعت إليه.
أما بالنسبة لفتواه حول الحجاب والخمار فقد قال إن الحجاب يعني الستار، وإن الخمار هو الذي يغطي صدر المرأة وجزءاً من محاسنها، ولا يعني تكميمها بناءً على الفهم الخاطئ لمقاصد الدين. وأشار بأن التعامل السائد الآن مع حجاب المرأة لا يخلو من بعض الفهم الخاطئ لمقاصد الآيات القرآنية التي نزلت بخصوص حجاب المرأة والخمار الذي ترتديه، بحيث لا يمكن تعميمها. وقال إن آيات الحجاب تخص نساء الرسول عليه الصلاة والسلام، ونزلت بمعنى الستار الذي يفصل بينهن وبين ضيوفه المتواجدين في بيته سواء كانوا من الصحابة أو غيرهم.
وقال في فتواه الثالثة إن من حق المرأة إمامة الرجال في الصلاة، إذا كانت أكثر علماً وتفقهاً في الدين من الرجال. وقد استشهد الترابي في حديثه قائلاً إن الرسول صلى الله عليه وسلم، قد سمح لإحدى الصحابيات المتبحرات في الدين أن تؤم أهل بيتها في الصلاة بمن في ذلك الرجال سواء كان زوجها أو أبناؤها من الذكور البالغين، وأنه لا يوجد ما يمنع من ذلك على ألا يلتصق الرجال بالنساء التصاقاً قوياً في الصفوف حتى لا تحدث الشهوة التي تؤدي إلى الانصراف عن الصلاة.
وفي فتواه الخامسة قال إن شهادة المرأة تساوي شهادة الرجل تماماً وتوازيها بناءً على هذا الأمر، وربما تكون في حالات معينة أفضل منه وأعلم وأقوى وأكثر تقى. ودحض الترابي ما يقال إن شهادة امرأتين تساوي شهادة رجل واحد، وإن ذلك ليس من الإسلام بل هي مجرد أوهام وأباطيل وتدليس أريد به تغييب عقول المسلمين في الأفكار الظلامية التي لا تمت إلى الإسلام في شيء. وأفتى الترابي أيضاً بشأن مسائل أخرى كالخمور وظهور السيد المسيح من جديد، وموضوع الاستشهاد في الحروب ومن هن الحور العين في الجنة.
إن العامة المسلمة درجت منذ الأزل، على ممارسة حياتها بشأن القضايا التي أوردها الدكتور الترابي في فتاويه التي أشرنا إليها بطريقة مغايرة تماماً. وبغض النظر عن القضايا السياسية التي تكمن وراء إطلاقه هذا النوع من الفتاوى والأفكار، وما لذلك من صلة برغبته في إثارة الرأي العام ضد النظام الحاكم في السودان، الذي كان جزءاً منه ثم انقلب عليه، فإن ما طرحه في محاضرته تلك وفي غيرها من المواقف التي أفتى فيها فتاوى تعتبر بالنسبة لنا غريبة، وهي أمور تثير البلبلة في أوساط المسلمين وتشرذمهم بين مؤيد ومعارض، فهل الدكتور الترابي محق في ما يطرح؟ أم أنه مخطئ وله أهدافه الخاصة من وراء ذلك؟
إن الغريب في الأمر، هو أن رجال الدين المسلمين لم يسمِعونا صوتاً واضحاً يبين لنا موقف الدين الصحيح من القضايا المطروحة. فرغم ورود تعليقات بعضها ناقد والآخر مكفر ومتشنج والثالث مؤيد ولو باستحياء، إلا أن طرحاً علمياً مفيداً رصيناً لم يبادر به أي من المتبحرين في الدين من المسلمين. إن العامة المسلمة في انتظار توضيح يصدر من جهة مؤهلة. فيا رجال الدين المسلمين على مدار العالم أفيدونا حول صحة من عدم صحة فتاوى الدكتور الترابي، أفادكم الله.