اعتمدت قمة حلف "الناتو" التي عقدت في أسطنبول قبل حوالى عامين، خطة سميت بإعلان أسطنبول، حاول فيها الحلف أن يمد يده إلى دول الخليج العربي والعراق ليبدأ حواراً مجدداً مع هذه الدول. وكان الحلف قد بدأ في تشكيل سلسلة من الاتفاقيات الثنائية مع بلدان جنوب البحر المتوسط عام 1994. وبموجب تلك الاتفاقيات الثنائية ارتبطت كل من إسرائيل ومصر والجزائر وغيرها من بلدان حوض البحر المتوسط باتفاقيات تعاون وتدريب ثنائي، وانخرط عدد من الضباط المنتمين لجيوش هذه الدول في مدارس الحلف العسكرية في إيطاليا. وقد طورت إسرائيل كذلك من علاقاتها الثنائية مع الحلف بأن وقعت معه اتفاقية تبادل معلومات أمنية واستخباراتية في عام 2001، كما شاركت في اجتماعات وزراء الخارجية عام 2004. وأصبحت إسرائيل عضواً في برلمان الحلف في مايو من عام 2005. كما شاركت قوات إسرائيلية في تدريبات عسكرية مع قوات حلف "الناتو" في البحر الأبيض المتوسط وفي أوكرانيا خلال الصيف الماضي. وكانت القوات الإسرائيلية لا يسمح لها بالتدريب العسكري إلا مع جيشين من جيوش الحلف، هما الجيش الأميركي والجيش التركي. ولكن كل ذلك تغير بشكل سريع في الوقت الحاضر، وبدأ شكل من أشكال الانفتاح العسكري بين الحلف وبين الدولة الصهيونية، وتبارى عدد من المفكرين الاستراتيجيين الإسرائيليين في الدعوة لدخول إسرائيل في عضوية الحلف. ويحاول هؤلاء الكتّاب، بتشجيع من دولة أو دولتين من أعضاء الحلف أن يطرحوا موضوع هذه العضوية في الدوريات والمجلات الاستراتيجية التي ينشرها الحلف، وفي بعض الدوريات الاستراتيجية الأخرى. ويبني هؤلاء الكتّاب منطقهم وحججهم على أن إسرائيل دولة "ديمقراطية" كما يدّعون، وأنها قاعدة متقدمة للغرب في العالم العربي والإسلامي، ويرون أن الحلف يمكن أن يلعب دوراً مهماً في إقناع الناخبين الإسرائيليين بفكرة إقامة دولة فلسطينية على حدود إسرائيل، حيث سيقدم الحلف ضمانة أمنية إضافية لإسرائيل. كما يرون إمكانية إرسال قوات حفظ سلام تابعة للحلف إلى الأراضي الفلسطينية كجزء من صفقة سلام ثنائية بينهم وبين الفلسطينيين. ويمكن النظر في هذا الشأن إلى تمركز بعض المراقبين الدوليين التابعين للاتحاد الأوروبي على معبر رفح بين غزة ومصر، كنموذج يحتذى به في المستقبل في ترتيبات أمنية مشابهة مع الفلسطينيين. ويشعر الإسرائيليون بأنه لا يمكنهم مواصلة احتلالهم للأراضي الفلسطينية بشكل مباشر، لذلك فإنهم يرغبون في "الاحتلال الإلكتروني" للضفة والقطاع عبر المعابر والتصوير الجوي لجميع مدن الضفة والقطاع، بحيث تصبح قوات "الناتو" على الأرض بالإضافة إلى الشرطة الفلسطينية كحرس محتملين في أراضٍ محاصرة ومقطعة ومجزأة لا تستطيع أن تتواصل مع بعضها بعضاً، أو أن تصبح وطناً حقيقياً متكاملاً للفلسطينيين. كما يشعر الإسرائيليون بأن الولايات المتحدة وقواتها قد أنهكت في العراق وربما يجازف بها في حروب مستقبلية ضد إيران. لذلك فإن إسرائيل تريد أن تجذب الأوروبيين مجدداً للدفاع عن مستوطناتها واحتلالها للأراضي الفلسطينية، كما تأمل إسرائيل في جذب الدول الأوروبية إلى حروب مستقبلية ضد الدول العربية والإسلامية، وبناء تحالفات استخباراتية وعسكرية مفيدة لها في مثل هذه المواجهات. وفي المقابل يرى المعارضون لهذا التوجه، أن إسرائيل تحاول الاستفادة من الحلف، ويمكن أن تزج بدول الحلف في حروب لا ترغب في خوضها، عبر إعلان إسرائيل المحتمل لمبدأ تطبيق المادة الخامسة من معاهدة الحلف، والتي تفرض على جميع أعضاء الحلف مساندة أية دولة عضو تتعرض لأي عدوان خارجي. ويمكن أن تذهب إسرائيل إلى أن إطلاق صواريخ "كاتيوشا" من الأراضي الفلسطينية المحتلة، أو من جنوب لبنان، يعتبر اعتداءً عليها، وأن تسعى لكي تجذب بقية أعضاء الحلف إلى مواجهة لا يرغبون أصلاً فيها. كما أن شروط العضوية في الحلف تنصُّ على أن تكون أي دولة عضو قد حددت حدودها بشكل سلمي مع جيرانها، وهو ما لا يتوافر في الحالة الإسرائيلية. كما أن من شروط العضوية، ألا تكون الدولة العضو في حالة حرب، أو أن تكون الدولة العضو تتعامل بشكل عنصري مع أقليات داخل حدودها. وكلنا يعرف أن إسرائيل دولة عنصرية لا توفر أدنى درجات الديمقراطية لأهل الأراضي الفلسطينية الذين تشبثوا بأرضهم داخل حدود 1948، ولكنهم لا يزالون يعاملون كأقلية من الدرجة الرابعة داخل بلادهم. كما أن محاولة حلف "الناتو" التقرب من الدول العربية وانفتاحه على دول الخليج العربية وعلى العراق مؤخراً، يعني أن الحلف يريد أن يخفف من الأعباء العسكرية على الولايات المتحدة في هذه المنطقة الحيوية من العالم. وقد تباينت ردود فعل الدول العربية تجاه مبادرات الحلف، فالدول العربية الفقيرة في شمال إفريقيا تريد دعماً مالياً واقتصادياً من الحلف، وهو ما لا يستطيع تقديمه بشكل مباشر. أما في منطقة المشرق والخليج العربي فهناك تخوف تاريخي من التحالفات العسكرية، ومن حلف "الناتو" بشكل خاص. ومع ذلك فإن بعض الدول العربية التي تميل إلى إجر