في الكويت معركة داخلية طغت على التطورات الفلسطينية والعراقية، بل وحتى على زيارة الرئيس الإيراني السابق هاشمي رفسنجاني. الموقعة تدور رحاها في الدواوين والصحافة والبرلمان. المعركة الكويتية الداخلية تدور بين طرفين حول تعديل الدوائر الانتخابية، ففريق التعديل يرى ضرورة تعديل الدوائر بتقليص عددها وبالتالي زيادة عدد ناخبي كل دائرة، وفريق -ولنسمه فريق التمهيل- يرى أن الأفضل إبقاء الأمور على ما هي عليه.
فريق التعديل يجادل بأن التعديل والتغيير سنة الحياة، ومنهج النظم الديمقراطية الحية، وبأن النظام الحالي للدوائر قد عفا عليه الزمن، وتغيرت التركيبة السكانية وأعدادها، وبالتالي فإن من المنطقي أن تتعدل الدوائر وتتسع باتساع أعداد الناخبين.
فريق التمهيل يرى أن النظام الحالي ناجح ومفيد، وأن البقاء عليه أسلم من أية اقتراحات غير "عادلة" في مسألة النسب والتناسب السكانية، فيرد عليه فريق التعديل بأن "أسوأ" المقترحات بالتعديل أكثر عدالة من التقسيم القائم الذي يصل عدد الناخبين فيه في دائرة واحدة خمسة أضعاف أصغر الدوائر الحالية.
فريق التعديل يرى أن التقسيم الحالي للدوائر غير شرعي لأنه أتى في فترة حل المجلس عام 1980، فيرد عليه فريق التمهيل بأن هذه الحجة تأخرت ربع قرن جرت فيه الانتخابات حسب التقسيم الحالي عدة مرات، فيرد فريق التعديل بأنهم حاولوا ولا يزالون تعديل هذا "الاعوجاج" للدوائر منذ سنين ولم ينجحوا، وبأن التعديل الآن مسألة ملحة بعد أن طفت على السطح أمراض الطائفية والقبلية والفئوية السياسية في وقت أحوج ما تكون فيه البلاد لرص جبهتها الداخلية في وجه التصدعات والحروب الطائفية في المنطقة وانتشار الفساد الداخلي على كافة الأصعدة.
أصحاب التمهيل لا يرون أن التعديل سوف يحد من الطائفية والقبلية- بل على العكس، كما أن ظاهرة شراء الأصوات المخجلة لن تتلاشى بزيادة عدد الناخبين، لكن فريق التعديل يعلن إدراكه بأن التعديل لن يقضي على الظواهر السلبية الخطرة على الديمقراطية الكويتية بين ليلة وضحاها، ولكن توسعة الدوائر وكبرها سيحد من هذه الظواهر السلبية ويخلط أوراق من وصلوا للبرلمان عن طريق الانتخابات الفرعية القبيلة أو الطائفية أو شراء الأصوات بالمال أو بالخدمات أو بالتزوير في سجلات الانتخابات ونقلها من دائرة إلى أخرى غير أماكن سكن أصحابها -مجرد ذكر اتهامات تزوير الانتخابات يسبب حرجاً للكويت الديمقراطية.
وسط هذه الجدل المحتدم، والمطلب الشعبي بالتعديل، سارعت الحكومة إلى أخذ زمام الأمور وتقدمت العام الماضي بمقترحين للتعديل سحبتهما أثناء التصويت عليهما وسط استغراب ودهشة المراقبين، فأجل الموضوع إلى شهر يونيو المقبل، ولكن الحكومة الجديدة التي تشكلت في فبراير الماضي تعهدت بتقديم مسألة الدوائر كإحدى أولوياتها وكبرهان على أنها حقا حكومة "إصلاح"، فجاء موعد المناقشة يوم الاثنين الماضي لتتقدم الحكومة بطلب آخر للتأجيل حتى 15 مايو المقبل، مع التزام بالتعديل، فوافق المعارضون على مضض.
بعض المراقبين رأى أن التأجيل انتصار لحكومة الظل -كما قال عبداللطيف الدعيج أشهر الكتاب الكويتيين، ونصر لقوى الفساد والطائفية والقبلية، البعض الآخر رأى أنه مسألة تعاون برلماني-حكومي وقرار الأغلبية الديمقراطي لا أكثر ولا أقل.
كثير من المراقبين يرى أن الموعد القادم قد يكون آخر اختبار للحكومة الجديدة، ومقياساً لمدى قدرتها على تسيير الأمور، ففي الدواوين يتكاثر الحديث عن حكومة أخرى غير تلك التي نرى ونشاهد على شاشة التلفزيون، فهل تلك مبالغة من مبالغات الدواوين الكويتية؟ أم أنها حقيقة لمدى هيمنة قوى الفساد على القرار الكويتي؟ ذاك ما سوف تجيب عنه جلسة الخامس عشر من مايو القادم.