كانت تركيا من أوائل الدول الإسلامية غير العربية التي استقبلت وفداً لحركة "حماس" بعد نجاحها في الانتخابات الفلسطينية. وقد أحدثت الزيارة في حينه توتراً جديداً في العلاقات الدبلوماسية بين تركيا وإسرائيل وذلك بعد عامين على اتهام رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان لتل أبيب بانتهاج "سياسة إرهابية ضد الفلسطينيين". وقد رفضت تركيا الانتقادات الإسرائيلية لزيارة رئيس المكتب السياسي لـ"حماس" إلى أنقرة وقالت إن مقارنة المتحدث الرسمي الإسرائيلي بين الحركة الفلسطينية والمتمردين الأكراد في تركيا "لم تكن مناسبة". وفي سياق متمم، يرى البعض أن دخول تركيا لعضوية الاتحاد الأوروبي -إذا ما تم- قد يكون عاملاً مساعداً للقضية الفلسطينية وصوتاً إضافياً يدافع عن الحقوق الفلسطينية داخل أوروبا. غير أنه لا تزال هناك عقبات تحول دون دخول تركيا للاتحاد الأوروبي، لعل أهمها النفوذ المستمر والقوي للجيش في المجتمع التركي والسياسة التركية، الأمر الذي قد يعرقل في النهاية جهود الحكومة التركية ذات التوجه الإسلامي المعتدل للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
وعلى عكس ما هو عليه الحال في أوروبا الغربية، فإن الجيش التركي يتدخل في السياسة التركية، بل إنه قام في السنوات الماضية بثلاثة انقلابات سياسية كان أهمها الحد من النفوذ الإسلامي المتنامي. ومثل هذا التطور، في المعايير الأوروبية، غير مقبول ولا يمكن التسامح معه. ولكي تتأهل تركيا للانضمام للاتحاد الأوروبي يصر الأخير على تنظيم العلاقة بين الجيش والحكومة بشكل صارم بحيث يمنع "العسكر" من التدخل في السياسة ويتولى المدنيون الإشراف على الجيش وليس العكس. وحتى الآن، فإن "العسكر" الأتراك لا يأخذون مطالب الاتحاد الأوروبي بالجدية اللازمة. وبعد فوز الإسلام التركي المعتدل "حزب العدالة والتنمية" بزعامة رجب طيب أردوغان في انتخابات 2002، استطاع إحداث اختراق داخل الاتحاد الأوروبي، وبدأ التفاوض الرسمي مع أنقرة حول عضويتها بالاتحاد الأوروبي رغم استمرار المعارضة القوية لذلك.
من جهته، يواجه الاتحاد الأوروبي عقبتين أساسيتين: أولاهما التكلفة المالية الضخمة التي يترتب عليه دفعها للنهوض بالاقتصاد التركي ليصبح على قدم المساواة مع اقتصادات الدول الأوروبية، وثانيتهما النمو الديموغرافي. فتركيا في حال انضمامها للاتحاد ستصبح ثاني أكبر دولة من حيث عدد السكان بعد ألمانيا وستتفوق عليها بعد سنوات قليلة بسبب نسبة الولادة المرتفعة لسكانها، الأمر الذي ينعكس على عدد الأتراك في البرلمان الأوروبي والمجالس الأخرى، فالتمثيل في هذه يتم بالتناسب مع عدد السكان. هذا بالإضافة إلى التباين الثقافي والتراثي (الإسلامي) مع الثقافة والتراث الأوروبيين، خصوصاً بعد إصرار الفاتيكان على كون الدين المسيحي أحد المكونات الأساسية لأوروبا. هذا علاوة على مشاكل أخرى منها، مثلاً، مشكلة الأقليات، كذلك الخوف من لعب تركيا (حليف الولايات المتحدة القوي) دور "حصان طروادة" في الاتحاد الأوروبي إضافة إلى بريطانيا. ومع ذلك، استطاع أردوغان، بإصلاحات معينة، التقريب بين المعايير التركية والمعايير الأوروبية. فقد استطاعت حكومته، التي تضم أطياف السياسة التركية –عدا الشيوعيين- تنفيذ جزء كبير من برنامجها الإصلاحي في وقت قصير نسبياً. ومن ذلك، إلغاء عقوبة الإعدام، وتغيير أنظمة السجون وإنهاء التعذيب، وتعزيز حرية التعبير والشفافية ودولة القانون، وإلغاء محاكم أمن الدولة والمحاكم الاستثنائية، والاعتراف بأولية التشريعات الدولية على حساب القوانين الوطنية في مجالات حقوق الإنسان، واعتمادها في المحاكم التركية. كما عززت حكومة أردوغان سلطة البرلمان، وقوانين المساواة، ومراقبة نفقات القوات المسلحة، حيث أنيطت بديوان المحاسبة السلطة لمراقبة جميع المصاريف العامة بما فيها العسكرية. إلى ذلك، قلصت الإصلاحات من صلاحيات مجلس الأمن القومي، وأدى تغيير سلطات الجيش إلى خفض تأثيره في إدارة العلاقات الخارجية بخاصة مع اليونان حيث تمكنت الدبلوماسية التركية من القيام بدور إيجابي في حل أزمة جزيرة قبرص ودخول الأخيرة عضوية الاتحاد الأوروبي. كذلك ساعد رفع حالة الطوارئ في تمكين سكان أقاليم الجنوب الشرقي من ممارسة الحريات الأساسية علاوة على تحسين مستوى حياة الأكراد بالرغم من النكسة الأمنية الأخيرة على هذا الصعيد.
وقد قال وزير الخارجية التركي عبدالله جول في مؤتمر صحفي: "نعتزم مواصلة عملية الإصلاح... المهم الاتجاه الذي نسير فيه... المزيد من الديمقراطية وحقوق الإنسان والتي ستقوي من مركزنا". كما تم مؤخراً تعيين محقق للفصل في الشكاوى التي تقدم ضد الدولة. ويقول الاتحاد الأوروبي إن هذه الخطوة من شأنها دعم الحرب على الفساد الرسمي وإحكام الرقابة على الإنفاق العسكري.
من ناحية أخرى، ثمة تعهد تركي بالدفع باتجاه إصدار قانون جديد لتعزيز حقوق الأقليات غير المسلمة في تركيا في تملك عقارات. ولا يزال الجدل محتدما بين الحكومة التركية والاتحاد الأوروبي حول إ