صدر كتاب جديد في لندن عنوانه: "رجل في الظل: داخل أزمة الشرق الأوسط مع الرجل الذي قاد الموساد". والرجل المقصود هو أفرايم هليفي. لقد عمل هليفي في "الموساد" لمدة 33 عاماً، تبوأ خلالها مراكز قيادية من بينها رئاسة جهاز المخابرات الإسرائيلي من عام 1998 حتى عام 2002. وهليفي هو نفسه مؤلف الكتاب. وفيه يلقي بعض الضوء على أحداث مفصلية من الصراع العربي- الإسرائيلي وقعت خلال العقد الأخير، وأهم هذه الأحداث: الغزو العراقي للكويت: عشية حرب الخليج عام 1991، كان همّ إسرائيل التصدي لما أعلنه الرئيس العراقي السابق صدام حسين عن نيّته ضربها بالصواريخ. ويروي هيلفي كيف نظم لقاء سرياً بين الملك حسين وإسحاق شامير رئيس الحكومة الإسرائيلية، وكيف أسفر اللقاء بين الرجلين، ليس فقط "عن تلاقٍ في العقول، وإنما عن تلاقٍ في القلوب أيضاً". ولكنه لم يشر إلى الإجراءات الدفاعية التي اتُخذت أو إلى جغرافية المواقع التي أقيمت فيها.
معاهدة السلام مع الأردن: وخلال حرب الخليج الثانية، اتخذ الأردن موقفاً متعاطفاً مع العراق ضد التحالف الدولي. ولكن العراق خسر الحرب. فكان لابد من إعادة تجميل صورة الأردن من جديد لإنقاذه من العزلة التي وجد نفسه فيها.
ويقول هليفي في كتابه إنه نظّم سلسلة اجتماعات عُقدت في عمان أسفرت -والعبارة له- عن تفاهم على الدخول في اتفاق استراتيجي مع إسرائيل. وكان إسحاق رابين رئيساً للحكومة الإسرائيلية في ذلك الوقت، وقد ذهب في تجاوبه مع مساعي هليفي في عمان إلى حد عقد معاهدة السلام مع الأردن.
محاولة اغتيال خالد مشعل: كان هليفي سفيراً لإسرائيل في بريطانيا عندما حاول "الموساد" اغتيال قائد حركة "حماس" خالد مشعل في عمان. كانت المحاولة تقضي بدسّ السمّ في أذنه حتى يقضي تدريجياً. فشلت المحاولة وانكشف الجناة واعتقلت السلطات الأردنية اثنين من عملاء "الموساد" واحتمى أربعة آخرون في السفارة الإسرائيلية في عمان.
استدعي هليفي من لندن إلى إسرائيل وعهد إليه بمعالجة الأزمة لإنقاذ العلاقات مع الأردن وتالياً لإنقاذ معاهدة السلام بين الدولتين. وضع هليفي تفاصيل صفقة تسوية قضت بالعفو عن عملاء "الموساد" وإطلاق سراحهم مقابل إطلاق سراح الشيخ أحمد ياسين مؤسس "حماس" الذي كان معتقلاً في أحد السجون الإسرائيلية. ولكن مع قرار إطلاق الشيخ ياسين اتخذ قرار تصفيته في أول فرصة ممكنة. وقد حدث ذلك بالفعل عام 2004 بواسطة صاروخ أطلقته طائرة إسرائيلية على مقعده المتحرك.
التشهير بياسر عرفات: بعد فشل الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون في التوصل إلى تسوية إسرائيلية- فلسطينية (خلال قمة كامب ديفيد) طوت إدارة الرئيس الجديد جورج بوش ملف الاهتمام بالتسوية السلمية. إلا أنه كانت للمحافظين الجدد في إدارة بوش حسابات أخرى. كانوا يبحثون عن استراتيجية أميركية- إسرائيلية جديدة تخدم مصالح كل منهما في صناعة شرق أوسط جديد. فطُلب من هيلفي إعداد أفكار تؤدي إلى ذلك. كانت أفكار هليفي التي تبنتها الحكومة الإسرائيلية تقضي بـ"تغيير النظام الفلسطيني" في الضفة والقطاع. وعلى هذا الأساس حدث الاجتياح في عام 2002، ووضعت خطة لتقليص نفوذ ياسر عرفات وهيمنته على القرار السياسي الفلسطيني إلى أقصى حد، كما قضت بتشويهه وتعطيل أي شكل من أشكال التعاون معه. وبمقتضى ذلك طُرح مشروع يقضي بالضغط على السلطة الفلسطينية -أي على عرفات- للقبول بتعيين رئيس للحكومة يتمتع بصلاحيات تنفيذية تنتزع من صلاحيات عرفات. والهدف من وراء ذلك صنع "شريك فلسطيني" كما يقول هليفي، يكون على رأس دولة فلسطينية ذات حدود مؤقتة.
تبنّت الإدارة الاميركية هذه الاستراتيجية وعكَسها الرئيس بوش في خطاب له ألقاه في يونيو 2002. وكان ما ورد في هذا الخطاب بشأن عرفات أشدّ شارونية من مواقف الجنرال شارون نفسه.
وقد عملت الدبلوماسية الأميركية- الإسرائيلية على تسويق مخطط التشهير بعرفات، وبلعت عواصم دولية عديدة، بما فيها عواصم عربية هذا "الطعم"، وأصبحت تتصرف على أساس مقتضياته ومفاعيله. وكانت حجتها المعلنة لذلك أن سلطة عرفات سلطة فاسدة مالياً وفاشلة سياسياً، وأنه لابد من إصلاح الوضع الفلسطيني الداخلي بقيام حكومة فلسطينية تضع حداً للهدر والسرقات والاختلاسات، وتفتح الحل الموصد مع إسرائيل.
يعترف هليفي بأن "الموساد" فوجئ بأحداث 11 سبتمبر 2001، وأن تلك الأحداث هزّت مؤسسة المخابرات الإسرائيلية لأنها لم تكن تعرف أو حتى لم تكن تتوقع حدوث هذا الهجوم. مع ذلك، فإن هليفي يدّعي في كتابه أنه منذ ذلك الوقت تصوّر ما يلي: بما أن حرب الشرق الأوسط تسللت إلى داخل القارة الأميركية، فإن ذلك يعني أن الولايات المتحدة هي في حالة حرب في الشرق الأوسط. وبما أنها لا تستطيع أن تربح الحرب على أرضها، فلابد لها، آجلاً أو عاجلاً، من أن تأتي إلى الشرق الأوسط لتربح الحرب فيه.
تفاق أوسلو: يعترف هليفي في كتابه بأن "الموساد" كان خارج دائرة المباحثات السرية التي جرت بين الحكومة الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية في العاصم