ربما كان إقصاء صدام حسين تحديدا هو الذي جعل مصطلح "تغيير النظام" متداولا على نطاق واسع في وسائل الإعلام، في حين أن الحقيقة هي أن "تغيير النظام" بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية لم يكن مجرد مصطلح، وإنما كان تكتيكاً ثابتاً من تكتيكات سياستها الخارجية لفترة طويلة ترجع إلى 110 أعوام خلت. في كتابه الجديد الموسوم: "قرن أميركا: تغيير الأنظمة من هاواي إلى العراق"، يقول "ستيفن كينزر" المراسل السابق للشؤون الخارجية لصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، ومؤلف الكتاب الشهير "كل رجال الشاه" إن أول عملية تغيير نظام قامت بها الولايات المتحدة كانت في عام 1893 عندما أطاحت بالعائلة الحاكمة في هاواي، ثم استمرت تلك العمليات بعد ذلك على فترات متقطعة حيث شهدت تغيير نظام الحكم في كوبا عام 1898 ثم في الفلبين عام 1898 أيضا، ثم الإطاحة بالزعيم الإيراني الديمقراطي الوطني محمد مصدق عام 1953، وبعده نظام الحكم في جواتيمالا عام 1954، ثم في فيتنام الجنوبية عام 1963، وانتهت بإطاحة صدام حسين في إبريل من عام 2003. ويورد المؤلف في كتابه التفاصيل الكاملة لهذه العمليات، كما يحاول تقصي الأسباب التي دعت الولايات المتحدة إلى تبني خيار تغيير الأنظمة. ويرى أن بعض عمليات تغيير النظام التي قامت بها الولايات المتحدة لا ينطبق عليها المعيار العام الذي وضعته هي نفسها للقيام بمثل تلك العمليات، أي معيار الفساد الشخصي للحاكم أو تفشي الفساد المؤسسي في بلده. وليس هذا فحسب بل إن الكثير من تلك العمليات لم يكن لها داع في الأساس. من ذلك المشاركة في التخطيط لإطاحة الرئيس الفيتنامي "نجو دنه دييم" عام 1963. فهذا الرجل كان زعيما وطنيا حاول تحقيق الكثير من الإصلاحات في بلاده، وكان كل ذنبه في نظر الولايات المتحدة هو أنه لم يكن يبذل الجهد اللازم لوضع حد لأنشطة ثوار "الفيت كونج" الشيوعيين، فكان أن دبرت له انقلابا بالتواطؤ مع بعض ضباط الجيش هناك، مما أدى إلى إعدامه عام 1963. ومن تلك العمليات غير المبررة أيضا، عملية الإطاحة بالزعيم الإيراني محمد مصدق، التي قامت بها المخابرات المركزية الأميركية بحجة أن الرجل كان ذا ميول شيوعية، والتي قامت بعدها بإعادة الشاه الأوتوقراطي "محمد رضا بهلوي" للحكم، والذي كانت سياساته وعلاقاته الوثيقة مع واشنطن هي السبب في قيام الثورة في إيران عام 1979. ويعلق المؤلف على هذا الموضوع بقوله: "ربما لم يكن الكثيرون من الأميركيين الذين تملكهم الغضب الشديد بسبب احتجاز الرهائن الأميركيين في طهران يعرفون أن الأسباب التي دعت الإيرانيين إلى القيام بذلك والتي جعلتهم يكنون كراهية شديدة للولايات المتحدة التي يصفونها بـ"الشيطان الأكبر" تكمن فيما فعلته استخباراتهم في إيران عام 1953". ومن تلك الأمثلة أيضا إطاحة الولايات المتحدة بنظام الحكم في "جواتيمالا" بقيادة الزعيم الشيوعي جاكوبو أربينز عام 1983 بحجة أنه كان يمثل خطرا على المصالح الأميركية هناك، حيث نصبت نظاما متعاونا من صفوة رجال الأعمال وأصحاب الشركات، الأمر الذي أدى إلى تمرد شيوعي، وتدخل عسكري أميركي، أسفر عن مصرع 100 ألف شخص من السكان المحليين. وعلى رغم أن بعض الآراء التي يقدمها المؤلف في معرض تعليقه على عمليات تغيير الأنظمة التي قامت بها الولايات المتحدة قد يكون مبالغا فيها، مثل قوله إنه لو كان أداء الولايات المتحدة في الحرب الأسبانية- الأميركية عام 1898 أفضل مما كان عليه، فلربما كانت قد تمكنت من الحيلولة مبكرا دون ظهور عدو شرس مثل فيدل كاسترو -بعد انتهاء تلك الحرب بما يزيد على نصف قرن من الزمان. باستثناء مثل تلك الآراء التي قد يراها البعض مبالغا فيها فإنه يمكن القول إن المؤلف بشكل عام قد قدم الكثير من الآراء المقنعة التي قام بتوثيقها والتدليل عليها من خلال أمثلة مستقاة من التاريخ أو من الواقع المعاصر. من ذلك ما يراه من أن التدخل الأميركي كثيرا ما كان سببا في هز الاستقرار الدولي، وتدهور الأوضاع في البلد الذي يتم التدخل فيه، بحيث تصبح أسوأ مما كانت عليه قبل التدخل الأميركي. ورغم أن هذا الرأي ليس بالجديد، فإن ما يميز المؤلف عن غيره ممن سبقوه هو أنه يقدم الدليل عليه من خلال عرض منطقي وحوار هادئ يثبت خلاله أن بلاده (الولايات المتحدة) تمارس تغيير الأنظمة -وخصوصا تلك التي لا تروق لها- منذ ما يزيد على قرن من الزمان، وأن هناك بعض الزعماء والشخصيات التاريخية التي يكن لها الأميركيون توقيرا وإعجابا قد شاركت في تلك الممارسات التي كانت بالتأكيد سببا من ضمن الأسباب العديدة التي أدت إلى هذه الموجة العارمة من موجات العداء لكل ما هو أميركي والمشاهدة الآن في مناطق مختلفة من العالم، كما كانت أيضا سببا من ضمن الأسباب التي تجعل العالم لا يصدق كل الذرائع التي تتذرع بها واشنطن لتبرير تدخلها، أو قيامها بتغيير الأنظمة مثل رغبتها في مقاومة "الشر" وسعيها لنشر الحرية والديمقراطية في ربوع العالم.
سعيد كامل
الكتاب: "الإطاحة: قرن أميركا: تغيير الأنظ