وافقت ألمانيا الثلاثاء المنصرم على السماح بالاطلاع على كنز كبير من المعلومات المتعلقة بما حدث لملايين الأشخاص الذين أعدموا أو قاموا بالأعمال الشاقة للنازيين أو تعرضوا للتنكيل خلال المحرقة. إذ أعلنت الحكومة الألمانية بمتحف المحرقة بالعاصمة الأميركية واشنطن أنها ستتراجع عن المقاومة التي أبدتها على مدى عدة عقود تجاه الدعوات المنادية بفتح الأرشيف المحفوظ في مدينة "باد أرولزن". يُذكر أن الملفات، التي تشكل واحداً من أكبر أرشيفات المحرقة الموجودة في العالم، يفوق طولها 15 ميلاً وتحتوي على نحو 50 مليون وثيقة، بعضها حصلت عليه قوات الحلفاء أثناء تحرير مخيمات الاعتقال.
وقالت "بريجيت زيبريز" وزيرة العدل الألمانية في مؤتمر صحافي عقد في العاصمة الأميركية واشنطن: "نحن موافقون على الكشف عن المعطيات الموجودة في باد أرولزن"، مضيفة أن بلدها سيسعى إلى مراجعة اتفاقية دولية تحكم الأرشيف موضوع الحديث. وبذلك، يضع إعلان المسؤولة الألمانية حدا لتوتر دبلوماسي بين الولايات المتحدة وألمانيا. إلا أن الأهم، حسب مسؤولين في متحف المحرقة، أنه سيفتح الوثائق في وجه المؤرخين والباحثين الذين لم يكن بإمكانهم الاطلاع عليها بسبب قوانين ألمانيا الصارمة حول الخصوصية.
وتعليقاً على ما تعهدت به "بريجيت"من أن ألمانيا ستعمل بمعية الولايات المتحدة على جعل الوثائق متاحة للجمهور، قال "آرثر بورغار"، مستشار متحف المحرقة للشؤون الخارجية: "بعد ستين سنة على نهاية الحرب، أعتقد أنه قد حان الوقت". هذا ومن المنتظر أن تنعقد اللجنة التي تشرف على الأرشيف وتمثل 11 بلداً في السادس عشر من مايو المقبل بلوكسمبورغ.
من جهته، قال "بول شابيرو"، مدير الدراسات العليا حول الهولوكوست بالمتحف، إن من شأن تلك الوثائق تقديم فهم أعمق لصنوف المعاناة اليومية التي كانت سائدة أثناء الفترة النازية من "عمليات ترحيل، ومخيمات اعتقال، وأعمال شاقة، وعمليات قتل"، مضيفا أن الوثائق المفرج عنها ستدل على "بعض الجلادين الجدد" الذين، وإن كانوا لن يخضعوا للعدالة الأرضية، فلن يمكنهم على الأقل الإفلات من محكمة التاريخ.
إلى ذلك، قال "شابيرو" إن مسؤولي المتحف يأملون في جعل الوثائق متاحة للجمهور بحيث يصبح بالإمكان مشاهدتها في الكمبيوتر بمراكز بحوث المحرقة عبر العالم. وحسب "شابيرو"، فقد تم استنساخ نحو نصف الوثائق في شكل رقمي منذ 1998، في حين تم استنساخ 20 في المئة من الوثائق على شكل "ميكروفيلم" قبل 1998. ومن جانبها، قالت "سارة جي. بلومفيلد"، مديرة متحف المحرقة في واشنطن، صحيح أن الناجين من المحرقة وأقرباءهم كانوا يستطيعون الحصول على معلومات من أرشيف "باد أرولزن"، غير أنهم كانوا يضطرون أحيانا إلى الانتظار لعدة سنوات.
ومما يجدر ذكره أن الملفات تخضع لـ"مصلحة الاقتفاء الدولية" التابعة للجنة الدولية للصليب الأحمر، غير أن المصلحة، التي استعملت الملفات منذ الحرب العالمية الثانية لمساعدة الناس على الاطلاع على معلومات حول أقربائهم الذين كانوا ضحية الفظاعات النازية، وجدت نفسها مثقلة الكاهل حين تم تقليص الميزانية المخصصة لها والتي توفرها ألمانيا، وذلك في إطار تدابير تقشفية وطنية. هذا وتدير المصلحةَ لجنةٌ تمثل كلا من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وبلجيكا وهولندا واليونان وإسرائيل وبولندا ولوكسمبورغ. وقد شددت ألمانيا لفترة طويلة على ضرورة أن تصوت الدول الإحدى عشرة على تعديل اتفاقية 1955 التي أنشأت بموجبها المصلحة، وذلك بعد أن استرجعت ألمانيا سيادتها، قبل أن توافق على فتح الأرشيف.
وقد أعلنت الوزيرة الألمانية في واشنطن يوم الثلاثاء أنها ستسعى في الاجتماع المزمع عقده بلوكسمبورغ الشهر المقبل إلى تغيير الاتفاقية لفتح الأرشيف. كما أعلنت أن حكومتها ستحاول إقناع إيطاليا التي قاومت بدورها دعوات فتح الوثائق بأن تحذو حذوها. وفي رد فعله، أوضح المبعوث الخاص لوزارة الخارجية الأميركية المكلف بقضايا المحرقة "إدوارد أودونيل" أن الولايات المتحدة تفضل فتح جميع الملفات حول المحرقة، وقال "لقد شجعتنا تصريحات وزيرة العدل الألمانية كثيراً، ونحن نتطلع إلى مواصلة عملية التفاوض".
ولتبرير مقاومتها السابقة لمطالب فتح الأرشيف، كانت الحكومة الألمانية تشير إلى الطابع الشخصي لمعظم المعلومات الموجودة في الملفات، حيث تكشف الوثائق على سبيل المثال عن الأشخاص الذين كانوا يخضعون للعلاج جراء إصابتهم بالقمل والمخيم الذي كانوا يقطنون به، والتجارب الطبية التي أجريت على بعض السجناء، والنزلاء الذين تعاونوا مع النازيين. غير أن "بلومفيلد" رأت أن هذه الاعتبارات واهية، قائلة إن "التاريخ هو التاريخ"، موضحة أن وثائق المحرقة التي أفرج عنها سابقاً احتوت أيضا على معلومات شخصية.
والواقع أنه إذا كان المؤرخون والباحثون سيجدون الوثائق على قدر كبير من الأهمية، فإن المستفيدين الحقيقيين هم أقرباء الناجين من المحرقة. وفي هذا السياق يقول بورغار: "إن العديد منهم يتوفى كل