كتبت من قبل عن مجموعة الأدلة الآخذة في التزايد، والتي تشير إلى أن إدارة بوش قد قامت عن عمد باستخدام التضليل الإعلامي وتزييف الأدلة لتبرير حربها المخططة سلفاً على العراق. ومنذ ذلك الحين الذي كتبت فيه، تكشفت معلومتان جديدتان جاءتا لتضيفا ثقلا إلى مجموعة الأدلة الموجودة سلفاً بأن الحرب طُبخت على نار هادئة.
المعلومة الأولى جاءت عن طريق "بول آر بيلر" أحد كبار ضباط "سي.آي.إيه" السابقين والذي كتب في عدد مارس/ إبريل 2006 من مجلة "فورين أفيرز" يقول إن إدارة بوش لم تستند إلى معلومات استخبارية في اتخاذ قرارها الخاص بشن الحرب على العراق، وإن تلك المعلومات قد استخدمت لتبرير قرار كان قد اتخذ بالفعل.
أما المعلومة الثانية، وهي أكثر خطورة بسبب تعلقها بشرعية الحرب، فهي أن بوش كان مستعداً لشن الحرب على العراق حتى لو لم يعثر على أسلحة للدمار الشامل.
وهاتان المعلومتان كانتا متضمنتين في مذكرة أعدها أحد كبار مساعدي رئيس الوزراء "توني بلير" أثناء اجتماع عقد في31 يناير في البيت الأبيض بين رئيس الوزراء البريطاني والرئيس الأميركي، وجاء فيها أن بوش أوضح لبلير أثناء الاجتماع، أن بلاده ستشن الحرب على العراق حتى لو لم تقم الأمم المتحدة بإصدار قرار ثانٍ يخول استخدام القوة ضد هذا البلد.
يطرح هذا سؤالا محدداً: ما هو الأساس القانوني للحرب التي تم شنها على العراق؟
لم يكن ذلك الأساس الدفاع عن النفس بالطبع، ولا كان الدفاع الجماعي وفقاً لميثاق الأمم المتحدة. الأساس الذي اعتمد عليه زعماء التحالف الأنجلو- أميركي هو أن صدام حسين، وبمجرد قيامه بتخزين أسلحة للدمار الشامل يكون قد خرق قرار وقف إطلاق النار، الذي وقعه في نهاية حربه على الكويت عام 1991 وأن ذلك في حد ذاته يبرر استخدام القوة ضد العراق.
ولكن المذكرة التي تكشفت أخيراً تثبت أن المتورطين في الحرب كانوا سيقومون بشنها حتى لو لم تكن لدى العراق أسلحة للدمار الشامل، وهو ما ينقض الحجة الوحيدة التي اعتمدوا عليها في شن تلك الحرب.
تكشف تلك المذكرة أيضا أن الزعيمين قد فكرا في استخدام أساليب غير عادية بهدف استفزاز صدام ودفعه إلى اتخاذ إجراء ما يمكنهما الاستناد عليه واتخاذه كذريعة لشن الحرب. ليس هذا فحسب بل أنه جاء في تلك المذكرة أيضا أن بوش قد ذهب إلى حد اقتراح اغتيال صدام حسين.
وهذه المعلومات الجديدة تؤكد المعلومات التي كانت متضمنة في مذكرة "داونينج ستريت" التي تناولتها صحيفة" الصنداي تايمز" في عددها الصادر في الأول من مايو 2005، والتي توصل السير "ريتشارد ديرلاف" رئيس شعبة إم 16( الاستخبارات البريطانية الخارجية) في نهايتها إلى استنتاج مؤداه أن المعلومات الاستخبارية وكذلك الحقائق كانت تجري معالجتها بحيث تتماشى مع السياسة المتبعة بالفعل.
وفي نفس الاجتماع الذي تغطيه تلك المذكرة والذي كان قد عقد في 23 يوليو 2002 وحضره بلير وكذلك وزير الخارجية البريطاني الحالي جاك سترو اقترح سترو تدبير خطة لاستفزاز صدام، واستدراجه للحرب لأن الحجة التي كانت الإدارة تستخدمها لتبرير شن الحرب على العراق كانت ضعيفة.
إن هذه المذكرة تثبت أن الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء البريطاني قد قاما بشن حرب متعمدة ضد دولة ذات سيادة، وأنه كانت لديهما نوايا كثيرة تشمل اغتيال رئيس دولة أجنبية.
وآخر حجة قدمها بوش وبلير لتبرير شن الحرب هي تلك التي تقول إن إطاحة صدام في حد ذاتها تمثل عملاً إيجابياً. بيد أن الزعيمين نسيا أن القانون الدولي لا يسمح بالإطاحة بزعيم دولة مستقلة بالقوة، حتى لو لم يؤد ذلك إلى قتل عشرات الألوف من الأبرياء وإلى انتهاكات واسعة النطاق للقوانين التي تحرم التعذيب كما حدث في عملية غزو العراق.