تشتهر إيران بصناعة الحلوى اللذيذة بأنواعها المختلفة، ومنها أيضاً تجفيف الفواكه، وحلوى (البلعوم) أو الحلقوم التي تعتبر هدية إيرانية جميلة للسائحين. وخلال الأسبوع الماضي قام الإيرانيون بتوزيع تلك الحلوى بالمجان في شوارع طهران إثر إعلان إيران انضمامها للنادي النووي!
وفي الوقت الذي "يُليّن" الإيرانيون حلوقهم بالحلوى الحلقومية، يقف النشاط النووي الإيراني شوكة في حلق واشنطن، والتي تتحيَّن الفرص لإثبات "نشوز" إيران عن السوية، وضرورة إعادتها إلى "بيت الطاعة".
لقد اعتبرت واشنطن إعلان إيران عن نجاحها في تخصيب اليورانيوم الصناعي، خير ذريعة للضغط على إيران واستكمال عزلتها، كما دعت إيران لإعادة النظر في سياساتها، تلك السياسات التي لا تنكرها طهران، بل ويصل "افتخار" وزهو إيران بها إلى حد التحدي. ويتمثل ذلك في دعم الحركات الاستشهادية في فلسطين، و"حزب الله" في جنوب لبنان. وتحريك "الساكن" العربي.
وإذا كانت إيران في السابق، قبل "نوويتها" قد أطالت أظافرها إلى التراب العربي، ومارست "الاغواء" العقائدي في دول المنطقة، واليوم لها دور مؤثر في العراق، ومارست دوراً في الحرب على أفغانستان، فإنها بـ"نوويتها" ستكون أكثر "زهواً"! ونحن لا نسوّغ قيام إيران بالوصول إلى اليورانيوم المخصب بدعوى مواجهة القوة النووية الإسرائيلية. ولنا تجارب في حكام من دول العالم الثالث قصفوا شعوبهم بالسلاح الكيماوي دون أن يردعهم قانون أو مجلس شعب، فما بالكم بذلك السلاح؟ وخصوصاً أن المفاعلات الإيرانية تعتمد الصناعة الروسية التي لم تثبت دقتها أو حداثتها، وهذا يشكل مصدر قلق الخليجيين من مفاعل "بوشهر" الذي يبتعد كثيراً عن (طهران) ويقترب كثيراً من الدوحة والمنامة والكويت. ويتساءل الخليجيون: ماذا لو حصل تسرب -مقصود أو غير مقصود- من ذلك المفاعل؟ ومن هم الذين سيتضررون أكثر، الإيرانيون أم الخليجيون؟
الخليجيون يتخوفون من سوء استخدام إيران للسلاح النووي، وهذا ما دعا الكويت إلى الإعلان عن "أهمية إخضاع الملف النووي الإيراني للأنظمة الحاكمة لوكالة الطاقة الدولية، وأن المنطقة بحاجة لأن تكون أنظمة الأمن والسلامة للأنشطة النووية فيها تحت السيطرة والرقابة الدولية"، كما جاء على لسان وزير الخارجية الكويتي. كما دعا إلى النهج نفسه أمين عام مجلس التعاون الخليجي عبدالرحمن العطية، مشيراً إلى ضرورة "تغليب لغة المنطق والحوار" في معالجة الملف النووي الإيراني، محذراً من عملية التصعيد في المنطقة، وداعياً إلى "إخلاء منطقة الشرق الأوسط -بما فيها منطقة الخليج- من أسلحة الدمار الشامل". وإذا كان ذلك الخوف والتوجس من استعمال دور العضلات الإيرانية مُسوّغاً، وله ما يبرره، فإن الولايات المتحدة، الحليفة الأولى لدول الخليج لم تكن بمنأى عما يجري في المنطقة، في غمرة "الزهو" الإيراني ببلوغ المرحلة النووية.
وزيرة الخارجية الأميركية -التي لا تستعذب حلوى الحلقوم الإيرانية- أوضحت بشكل حاسم أنه على إيران "تعليق تخصيب اليورانيوم في أراضيها والعودة إلى طاولة المفاوضات، وإلا ستواجه إجراءات قوية".
ما هي هذه الإجراءات القوية التي يهزأ بها القادة الإيرانيون؟ تقرير مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن (C.S.I.S) كشف عن بعض السيناريوهات التي قد تلجأ إليها واشنطن لنزع الشوكة النووية من حلقها! ومنها ضرب المنشآت النووية الإيرانية بصواريخ "كروز" أو من طائرات الشبح "ستيلث"، ويمكن أن تكون طلعات هذه الطائرات المخيفة مجرد استعراض قوة ليرتدع الإيرانيون، ومنها هجوم محدود ومحدد، وذلك عبر 20 صاروخ "كروز" من السفن الأميركية في الخليج، وقد تحتاج العملية إلى 600 صاروخ، وطلعات جوية لأسراب الطائرات المخيفة لعشرة أيام، ولم يفت التقرير الإشارة إلى إمكانية "تشجيع" إسرائيل لضرب إيران.
ونحن لا نعتقد أن اللجوء إلى القوة سيحل المشكلة، بل إنه سيزيدها تعقيداً، وضرب إيران ليس من صالح المنطقة أو الولايات المتحدة. ويتحفظ بعض زملائنا الأميركيين الذين حضروا "منتدى الدوحة السادس للديمقراطية والتنمية والتجارة الحرة" على هذا السيناريو.
دول العالم الأخرى -بما فيها حلفاء إيران- عارضت التوجه الإيراني، فموسكو نددت بالتحدي الإيراني، ودعت الأمم المتحدة لوقف العمل النووي، مع أن موسكو لا تحبذ اللجوء إلى القوة في حل المشكلة، كما دعت طهران إلى وقف نشاطات تخصيب اليورانيوم، كما جاء على لسان الناطق بلسان وزارة الخارجية الروسية. ألمانيا وصفت الإعلان الإيراني بأنه "خطوة في الاتجاه الخاطئ"، الصين أعربت عن قلقها من تصريحات الرئيس الإيراني، و"أن ما أعلنته إيران لا يتماشى مع ما هو مطلوب منها دولياً"، رغم أن الصين تعارض فرض عقوبات على طهران، أو إجراء أية تدابير عسكرية.
إذاً هذا هو الموقف اليوم، والذي يقف ضده المسؤولون الإيرانيون، حيث أعلن رئيس هيئة الأركان في القوات الإيرانية المسلحة (حسن أبادي) أنه "لا يمكن للغرب وقف البرنامج النووي الإيراني"، وأن طهران قادرة على إق