عندما يعترف مسؤول بوزارة الصحة، بأن غالبية أطباء القطاع الطبي الخاص في الدولة تحوّلوا إلى تجار، همّهم الوحيد هو جني الأرباح، وأن 90% من أطباء القطاع الخاص يتفقون مع المختبرات والمراكز المتخصصة بالأشعة على تحويل المرضى إلى تلك المختبرات والمراكز، مقابل 40% من التكلفة، عندما يحدث ذلك فإننا نكون بصدد مشكلة لا يُستهان بها في نظامنا الصحي، على اعتبار أن القطاع الخاص هو شريك حيوي في أداء الخدمات الصحية، بل وتتطلع الدولة إلى منحه دوراً متزايداً خلال الفترة المقبلة. إذا كانت الحال في الوقت الراهن كذلك، باعتراف مسؤولي وزارة الصحة، فما بالنا إذا تزايدت مساحات الاعتماد على القطاع الخاص؟ وكيف يمكن أن نقطع بأن "التأمين الصحي" سيحقق الأهداف المرجوّة من دون أن ينزلق إلى فخ "التجارة" والاستغلال، وتحويل المرضى إلى قنوات لاستنزاف موارد التأمين، سواء عبر تضخيم "روشتات الأدوية"، أو من خلال فتح الخطوط الساخنة المتواصلة مع المختبرات ومراكز الأشعة التشخيصية، بحيث يصبح المرور على المختبرات وأقسام الأشعة أمراً حتمياً لكل مَن يتردد على عيادات "التأمين الصحي"؟ وما هي الضوابط القانونية التي يمكن تبنّيها للحيلولة دون استغلال "التأمين الصحي"، واستنزاف موارده لمصلحة فئات معيّنة من الأطباء ومستشفيات القطاع الخاص؟
الأرقام المتاحة تشير إلى أن المنشآت الطبية الخاصة قد تضاعفت خلال السنوات الأخيرة، وهناك تنامٍ كمّي ملحوظ في أعداد الأطباء والفنيين العاملين بها، وعندما يقال إن شريحة كبيرة من الأطباء في هذه المنشآت -ولا نقول 90% منهم كما ورد في تصريحات صحفية- تتلاعب وتتحايل وتلجأ إلى وسائل رخيصة لاستنزاف جيوب المرضى وإثارة الفزع الصحي من دون داعٍ، فإن الأمر يستحق من الجهات الرسمية وقفة صارمة وجادّة للوقوف على حقيقة هذه التجاوزات.
اللافت أن إثارة هذا الكلام، تعني أن هناك شواهد وبراهين وأدلة ظاهرية ووقائع متكررة، وأن هذه الوقائع متداولة ومعروفة في أروقة الوزارة، وأيضاً في أروقة القطاع الطبي الخاص، وبالتالي فإن ممارسة الصمت تجاهها تبدو أمراً غريباً ومثيراً للتساؤل، ويضع الصامتين في مواجهة علامات استفهام عديدة، لأن المسألة تتعلق بأداء قطاع خدمي حيوي، ولأن المسألة أيضاً تتعلق باستنزاف الموارد واستغلال المرضى وشركات التأمين ونهب الجيوب والهدر في الإنفاق وسوء استخدام المرافق، وربما تطال التأثير في حياة مئات المرضى جراء هذه الحالة من التهاون والاستهتار في التعامل مع الحالات المرضية.
إننا لا نتهم الجميع ونثق تماماً في أن هناك مؤسسات طبية خاصة وأطباء يحترمون أخلاقيات هذه المهنة السامية، ولكننا نثق بالمقابل في أن هذه التصريحات تستند إلى واقع معيّن، وأنها خرجت على الألسنة بعد أن فاض الكيل وزادت الأمور على الحدود المقبولة. والمطلوب الآن أن تتحرك الجهات المسؤولة وأن تعتبر تصريحات هذا المسؤول بمنزلة "بلاغ رسمي" إلى من يهمّه الأمر، للتحرك والتعرف إلى الحقائق، لأن المسألة في النهاية تتعلق بسمعة الدولة والصحة العامة قبل أن تستفحل حالة الفوضى وتتكاثر "مافيا" استغلال المرضى ويصعب القضاء عليها أو التعرف إلى حجم تغلغلها في منشآت القطاع الصحي الخاص.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية