أكثر ما يسيء للكاتب، إساءة الكاتب لكرامته والتحدث عما لا يمكن احترامه بأنه محترم وموقر. فالبعض ينسى أنه على صفحات عامة وتكنولوجية عامة أيضاً، ويجاهر بمعصية النفاق واستعراض العضلات في ما لا يمكن أن يكون لائقاً.
والملفت استمرار البعض في استمراء المضامين المفضوحة، بمعنى أن أحد الكتاب استمر يكتب مداهناً لعدة أسابيع، وكأنه يعتد بهذا الكمّ من الفجاجة والقبح، وكأنه تحول إلى ناطق رسمي باسم صاحب الفضل الذي لا يعرف إلى أي مدى وصل فضله أو ينتظر فضله بمعنى أكثر دقة وتقريباً.
فالكلمة رسالة وتاريخ يؤرخ لكاتبها نزاهة واحتراماً لفحواها وجدواها، وشرف الإيمان بها مهما كان سوء الموقع أو الوقع على متلقيها، وليس الأمر متوقفاً على مضامين متفرقة إنه اعتياد على استنساخ النفاق والمداهنة بوضوح سافر، وأعتى من أي ماسح جوخ تاريخي.
ولعل أهم من شوه التاريخ هم هؤلاء الذين لم يراعوا ضمائرهم في الكتابة، وانساقوا خلف أهواء ومكاسب متناسين الدور التاريخي المنوط بهم والذي ينتظره الزمن ليكتبه التاريخ بعد ذلك.
وليس المهم هنا تاريخ الشعوب والأماكن، إنه أيضاً تاريخ البشر واعتزازهم بكونه ناصعاً مشرئباً بالشرف وحده دون أية تكهنات أخرى.
والقارئ ليس بالأحمق حتى يصدق ما يكتبه البعض، إنه مستعد دائماً بدروع واقية ضد هذه الترهات، وهذه التقلبات الفكرية التي تنتهي دوماً عندما يبدأ الآخرون في الإعلان عمن يستحق التصفيق من غيره، وإذا سقط اسم ذاك سهواً، فإنه سقوط متعمد وعقاب سري عن مثل هذا الاستهتار بعقول الآخرين والاستهانة بها.
المخجل في الأمر، تلك الهالة التي يضفيها البعض على أسمائهم وكأنهم قادمون من مواقع ذات مساس مباشر بصنع القرار، وبالتالي يدللون على كونهم الأقدر على العرض والتحليل والاقتراح، وأزعم أنها اقتراحات مضحكة لدرجة البكاء.
ناهيك عن الذي يحب اعتبار نفسه الضحية الدائمة، والذي عانى مرارة الظلم لأنه كان الجريء والشجاع، وبالتالي كان ثمن شجاعته إيقافه عن الكتابة، وذلك ليس لرداءة ما يكتب إنما لأنه وقع تحت نار الغيرة من البعض الذين يكرهونه لنجاحه وهو نجاح مُدعى لا أقل من ذلك.
ومع هذا على الضفة الأخرى، هناك من تعامل مع اسمه كونه بلّلوراً أو قطعة أثرية نادرة، واعتبر كل حرف يتصل به لابد أن يكون أصدق من الصدق، وهم الأغلبية رغم انتشار الغث وخروج رؤوسه هنا وهناك.
فالشرفاء ما زالوا ينيرون سماء الكلمة ويزيدونها دفئاً وألقاً نادراً، وهم الأساتذة الحق، الذين يرسمون دروباً محددة واضحة المعالم لكل من أراد ليسلك درب الكلمة الوعر والشرس والذي لا يرحم إلا من عرف حقوقه وواجباته.
الكلمة شرف لا يمكن أبداً أن يتسنى لمن لم يملكوا الشرف من الأساس، لو فهم البعض هذا الأصل لأراحونا وأراحوا رؤوسهم من ضجيج الفتنة وحرق بخور منتهي الصلاحية.