هل وضعت الولايات المتحدة خطة حرب لمنع إيران من الحصول على السلاح النووي؟ الرئيس بوش نفى في الأسبوع الماضي ما تناقلته التقارير من أن الإدارة منهمكة في وضع خطة طوارئ للحرب على إيران. وقد نفى خصوصاً ما تردد من احتمال استعمال أسلحة نووية تكتيكية ضد طهران، واصفا ذلك "بتكهنات لا أساس لها من الصحة". من جهته أكد وزير الدفاع دونالد رامسفيلد تصريحات بوش عندما أعلن أنه "من غير المجدي" الحديث عن خطة طوارئ الآن. غير أن وزير الدفاع لم يقل كل الحقيقة، ذلك أنه من المهم الحديث عن الخطط الحربية التي هُيئ لها بالفعل. وهي الخطط التي كانت موجهة أساساً ضد إيران، حيث بدأ وضعها منذ 2003 عندما كانت القوات الأميركية تستعد لشن الحرب على العراق. ففي ذلك الوقت شرع الجيش الأميركي في إجراء تحليل حول إمكانية الدخول في حرب شاملة مع إيران أطلق عليه TIRANNT، وتعني "المسرح الإيراني على المدى القصير"، حيث ترافق التحليل المذكور مع وضع سيناريو تجريبي لغزو تقوم به فيالق من "المارينز" لإيران، فضلا عن وضع نموذج يحاكي قوة إيران الصاروخية.
وقد تم تجريب الخطة من خلال المناورات العسكرية المشتركة بين القوات الأميركية والبريطانية على ضفاف بحر قزوين. وخلال تلك المناورات لعب بوش دور القائد الأعلى للقوات الذي سيأمر بشن ضربة ضد المنشآت النووية الإيرانية. ولاشك أن كل تلك الاستعدادات ستقود في نهاية المطاف إلى وضع خطة حرب جديدة "لبدء العمليات القتالية" ضد إيران، وهي الخطة التي تؤكد مصادر دبلوماسية وجود مسودة لها في أدراج وزارة الدفاع الأميركية. وإلى حد الآن لم تعلن المؤسسة العسكرية عن هذه الخطة، بل حتى عندما كتبت الأسبوع الماضي في موقع صحيفة "واشنطن بوست" على الإنترنت حول خطة الطوارئ الموجهة ضد إيران تمسكت البنتاجون بموقفها السابق بأنه "لا نقاش حول الخطط الحربية". لكنني أعتقد أنه علينا مناقشة الخطط الحربية على الملأ لأن من شأن ذلك أن يعزز من الجهود الدبلوماسية للتوصل إلى تسوية بشأن الملف النووي الإيراني بعدما تدرك طهران أن واشنطن جادة في منعها من حيازة السلاح النووي، وأنها مستعدة في سبيل ذلك إلى سلوك طريق الحرب.
وفي هذا الإطار يتعين على إيران أن تعرف، وقبلها الشعب الأميركي، أنه مهما تحدث الخبراء عن صعوبة استهداف المنشآت النووية الإيرانية، أو الكارثة التي قد تحدثها الحرب، إلا أن المسؤولين العسكريين يبذلون قصارى جهدهم للتقليل من أخطار التدخل العسكري من خلال وضعهم خطة طوارئ محكمة. وبالرغم من صعوبة الحصول على المعلومات حول الخطط العسكرية الخاصة بإيران، إلا أنه من المهم تجميع الخيوط واستكمال الصورة. وما نعرفه لحد الآن حول الموضوع هو أن الجيش الأميركي ومخططي القيادة المركزية من خلال خطة "المسرح الإيراني على المدى القصير" يدرسون السيناريوهات المحتملة للحرب مع إيران سواء على المدى القصير أو البعيد، وتشمل كافة الجوانب المتعلقة بالعمليات العسكرية بدءاً من حشد القوات المسلحة ونشرها، وانتهاء بعمليات فرض الأمن والاستقرار بعد تغيير النظام.
يذكر أن الخطة العسكرية شرع في وضعها منذ مايو 2003 عندما قام المخططون وخبراء الاستخبارات بتجميع البيانات الضرورية لرسم السيناريوهات وتحليلها، ثم اختبار قدرتها على مواجهة إيران. ومنذ ذلك الحين والخطة تخضع لمراجعة دورية وتعديلات أساسية في ضوء المعلومات الجديدة حول أداء القوات الأميركية بعد الحرب على العراق. وبينما عكف مخططو القوات الجوية على صياغة خطط لغارات جوية تنفذ ضد قوات الدفاع الجوي الإيرانية، قام المخططون في البحرية الأميركية بتقييم الدفاعات الساحلية لإيران ووضع السيناريوهات اللازمة للسيطرة على مضيق هرمز في الخليج العربي. وقد تم وضع تقييمات دقيقة للسيناريوهات المختلفة التي تضمنتها الخطة العسكرية ضد إيران الرامية إلى تحديد الخيارات المحتملة للقوات الأميركية في حال شن حرب على إيران. وحسب مصادر عسكرية فقد عهد بهذه المهمة إلى الجنرال جون أبي زيد.
ومن جانبها ركزت قوات مشاة البحرية الأميركية "المارينز" اهتمامها على تخصصها الأصيل المتمثل في "الاجتياح عن طريق البحر". ففي أبريل 2003 نشرت قوات "المارينز" وثيقة سميت بـ"مفهوم العمليات" تشرح تفاصيل مناورة عسكرية ضد دولة وهمية، وتهدف أيضا إلى دراسة إمكانية نقل القوات من السفن والبوارج الحربية إلى السواحل لمواجهة عدو ما دون إقامة قواعد على السواحل. ورغم أن المناورات لم تسمِّ الدولة العدو بالتحديد واقتصرت على نعتها بدولة دينية ثورية اسمها "كارونا" تمتلك أسلحة دمار شامل، فإن الدولة المقصودة بدون شك هي إيران. بالإضافة إلى ذلك تم وضع دراسة أخرى ترمي إلى تقييم القدرات الإيرانية في مجال الصواريخ انطلقت في 2004 وتعرف باسم BMD-I. وفي هذه الدراسة قام مركز التحليل التابع للجيش الأميركي بتقييم أداء أنظمة الصواريخ الإيرانية والأميركية وتحديد عدد الصواريخ التي يمكن لإيران أن تطلقها في حالة المواجهة العسكرية. وبالن