النظام الديمقراطي في معظم الدول العربية والإسلامية، نظام فاشل بامتياز، بدءاً بالدول التي عاصرت الليبرالية منذ أكثر من سبعين عاماً، وانتهاء بتلك التي ستطبقها مستقبلاً، وهذا ليس رجماً بالغيب، بل هو تنبؤ يدعمه الكثير من الشواهد الاجتماعية والتراثية والتاريخية. ولا يحتاج الأمر إلى ضرب الودع أو قراءة الفناجين أو استحضار الجن، بل يعود الأمر إلى جملة من الأسباب الذاتية الداخلية، والموضوعية. ونقصد بالذاتية أن ما استقر في ذهنية الإنسان العربي من تميز ذكوري، سواء كأب أو زوج أو رئيس عمل أو غيره من أنماط التسلط، لا يتيح مجالا للقبول بالديمقراطية كأسلوب حياة على المستويين العام والخاص. فالطاعة، كما يقول الدكتور فؤاد زكريا، مرض عربي. مطلوب من الإنسان العربي منذ الصغر أن يطيع والديه ولو بالإكراه، ثم عليه أن يطيع المدرّس، ثم أستاذ الجامعة، ثم رئيسه في العمل، وكذلك الأمر بالنسبة للزوجة، والرجل الذي يعاني الاضطهاد في العمل، يمارس الاستبداد والديكتاتورية على الخدم والزوجة والأولاد. وعلى مستوى الدول يمكن بكل سهولة، ملاحظة الاستبداد الديمقراطي في الدول الدستورية سواء من خلال قوانين النشر والمطبوعات السيئة أو التقييد القانوني للحريات المدنية والفكرية وكذلك الحريات السياسية بشكل عام.
مجال حقوق الإنسان ليس من تراثنا العربي. أعلم أن الكثيرين سيثورون على هذا الرأي بدافع الاستبداد وانعدام خاصية الحوار، لكن هذه هي الحقيقة التي لا يريد أحد أن يسمعها. هل أستشهد بكتاب "أحكام أهل الذمة" لابن القيم، أم التمايز الديني بين الحر والعبد الذي تحفل به كتب بعض الفقهاء, أو الانحياز للرجل ضد المرأة؟ هل أستشهد بعبد الرحمن الأفغاني الذي أوشك أن يعدم في أفغانستان مؤخرا؟ أم أستشهد بالكُتاب والمثقفين الذين هربوا من إيران، أم ما يفعله رجال الدين السُّنة بالليبراليين؟
برغم كل هذا الغث من الممارسات والقوانين غير الديمقراطية في عالمنا العربي، يخرج علينا وزراء التربية باقتراح تدريس حقوق الإنسان في المدارس بعد قرابة نصف قرن من وضع الدساتير العربية! الأمر الذي يعني بكل وضوح أن هناك من أكرههم على تطبيق هذا الأمر. وحتى لو تركنا مسألة الإكراه جانباً، كيف يمكن الجمع بين النقيضين، الاستبداد الذي يعم حياتنا وتدريس الدستور، إلا إذا كان الموضوع كله عبثاً في عبث. كيف يتم تدريس حقوق الإنسان في المدارس، والمدرّس له حق "الاستبداد" في الفصل؟ كيف والتفكير الحر ليس له موضع في المناهج الدراسية؟ كيف يتم تدريس حقوق الإنسان في حين أن قوانين الدولة تنتهك هذه الحقوق؟ تخيل أحد الأولاد (من الجنسين) وهو، مثلا، يعترض على ممارسة معينة لأبيه محتجاً بما درسه عن حقوق الإنسان في المدرسة؟ لا داعي لأن نحسب كم كفاً على الوجه سيناله! كيف يمكن تدريس موضوع مهم وحيوي مثل حقوق الإنسان، وليس من حق هذا الإنسان المناقشة بحرية؟
من الأمور التي يتم تجاهلها في العالم العربي حالة الازدواجية المريعة التي يعيشها الإنسان في هذا العالم التعس. واقع قانوني واجتماعي وسياسي يؤيد الاستبداد ويطبقه في كل مناحي الحياة، وادعاء أجوف بهذه الحقوق!! الأمر مدعاة للسخرية والاستهزاء، والألم في نفس الوقت.
تدريس حقوق الإنسان في المدارس أو التعامل معها في الحياة والقوانين يحتاج إلى أساس غير متوفر حالياً في العالم العربي، وهو من مستلزمات حقوق الإنسان, ألا وهو فصل الدين عن الدولة، وبالتالي يستحيل أن ننجح في امتحان حقوق الإنسان. وأعلم جيداً أن الإنسان العربي اليوم يفضل أن يعيش في بيئة دينية أياً كان نوعها بدون حقوق إنسان، على أن يعيش في بيئة علمانية مهما كانت الحقوق الإنسانية التي سيحصل عليها. لكن هل بإمكانه أن يستمر في هذا الوضع إنسانياً؟ اقرأوا إن شئتم ما صرح به زعيم جماعة "الإخوان المسلمين" في السودان، حسن الترابي مؤخراً..!