من الظواهر الاقتصادية الحديثة في دولة الإمارات، انتشار ظاهرة التداول بالأسهم، والتي أدت بدورها إلى ازدهار ونمو المدخرات والاستثمارات الفردية. وفي ظل التطور الكبير الذي شهدته أسواق الأسهم المحلية، هناك تزايد كبير في عدد مكاتب الوساطة المالية. وبدلا من أن تلجأ السلطات المختصة إلى إعادة النظر في شروط وضوابط تأسيس شركات الوساطة، فقد عمدت إلى إطلاق حركة الترخيص للشركات بحيث تضاعف عدد مكاتب الوساطة أكثر من ثلاث مرات، خلال أقل من عامين، حيث كان عدد مؤسسات الوساطة المالية لا يزيد على خمس مؤسسات عند انطلاق هذه الأسواق، وارتفع إلى 40 مؤسسة منتصف العام الماضي، ثم إلى 66 مؤسسة في الوقت الحالي، وبذلك يقارب عدد مؤسسات الوساطة المالية مجموع الشركات المدرجة في السوق المحلية، والتي لا يتجاوز عددها 59 شركة في سوق أبوظبي للأوراق المالية، و33 شركة في سوق دبي المالي، بينما تقوم هيئة الأوراق المالية والسلع حالياً بدراسة العديد من طلبات تأسيس مكاتب الوساطة الجديدة، ومن المنتظر أن يجري البتّ بشأنها تباعاً خلال المرحلة المقبلة.
ورغم هذا التطور العددي في أعمال الوساطة المالية، فإن تدنّي كفاءة الوساطة في أسواق الأسهم المحلية يعد أحد أكبر التحديات، فهناك ضعف واضح في رؤوس أموال مكاتب الوساطة المالية، حيث لا يتجاوز رأس مال العديد من هذه المكاتب 5 ملايين درهم، رغم أن هذه المبالغ لم تعد تتناسب مع حجم التداول في السوق، حيث تتجاوز حركة البيع والشراء مليارات عدة يوميا، كما لا يوجد صندوق لضمان الوسطاء الماليين كما هي الحال في معظم أسواق الأوراق المالية، ومنها بعض الأسواق العربية، وذلك لضمان حماية المستثمرين من إفلاس أي وسيط مالي.
إن الخدمات التي يقدمها الوسطاء لا تتعدى مجرد "نصائح" تكون في أكثر الحالات، إما ترديدا للشائعات، أو تسويق تحليلات تفيد المكاتب ذاتها، أو تصبّ في مصلحة كبار عملائها، بل إن الاستشارات العلمية والتحليلات المالية التي يقدمها بعض الوسطاء لم تعد تلبي احتياجات المستثمرين بشكل جيد، كما لم تعد قادرة على الابتكار والمنافسة والتجاوب السريع مع المتغيرات، مع التصاعد المستمر لحجم التداولات، كما أن التطورات الحديثة التي شهدتها أنظمة التداول الإلكتروني في السوق المحلية، تحتّم تنظيم نشاط السمسرة ورفع كفاءة العاملين فيها وتحسين خدماتها.
وفي ظل هذا الوضع، يطالب العديد من الخبراء والمستثمرين بضرورة تحويل مكاتب الوساطة إلى شركات مساهمة، لرفع مستوى كفاءة الوسطاء بالأسواق المالية، سواء جهة الخبرة والشهادات العلمية المطلوبة لممارسة المهنة أو التخصصات العلمية كالإدارة والاقتصاد والمحاسبة والتحليل المالي. بينما يطالب فريق آخر من المختصين بضرورة تحرير نشاط السمسرة والترخيص لشركات السمسرة الأجنبية ذات الكفاءة العالية بالدخول إلى السوق، حيث إن المنافسة كفيلة برفع كفاءة خدمة الوساطة المالية ومستوى الأداء لدى شركات السمسرة بشكل عام في سوق تحكمه تحالفات كبيرة من المضاربين، وغياب الشفافية، إلى حد كبير، لابد من إيجاد جهات محايدة تعمل على تقييم الأسعار الحقيقية والعادلة لأسهم الشركات، وتحسين نوعية المعلومات عن هذه السوق.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية