حين يلتقي الرئيس بوش بنظيره الصيني "هو جينتاو" يوم الخميس المقبل, ترى هل سيثير معه مسألة الدور الصيني في أفريقيا؟ الإجابة الفورية على السؤال هي أن عليه أن يفعل ذلك, والسبب هو أن الوجود الصيني في أفريقيا –مع ملاحظة نقص تقاريرنا عنه- بات يشكل تهديداً مباشراً للولايات المتحدة الأميركية, ويقوض سياساتها الخارجية المعنية بشؤون القارة. وكما تكشّف مؤخراً في جلسة لمجلس الأمن الدولي, مما يقال عن معارضة كل من روسيا والصين وقطر, لفرض عقوبات تدعمها الولايات المتحدة, تستهدف عدداً من المسؤولين الحكوميين السودانيين, تثار ضدهم اتهامات لها صلة بالمذابح والفظائع التي ارتكبت في إقليم دارفور. كما يعرف عن بكين تقديمها المساعدات الغذائية لحكومة زيمبابوي, المعروفة بسمعتها السيئة، بسبب ممارسات من قبيل توزيع الأغذية على مؤيديها, مع حرمان معارضيها وتجويعهم عمداً. ويتعارض هذا الأسلوب الصيني في التعامل المباشر مع الحكومات الإفريقية في مجال المساعدات الإنسانية, مع النهج الأميركي الذي يؤمن بتوزيع المساعدات الإنسانية والغذائية على المتضررين والمحتاجين, عبر المنظمات الدولية وغير الحكومية.
وفي شهر فبراير الماضي, دعا الرئيس الصيني "هو جينتاو" نظيره "فور نياسنجبي", رئيس جمهورية توغو، ذا القبضة الحديدية, إلى بكين, حيث وقعا معاً ما يعرف باتفاقية التعاون بين الصين وتوغو. وغني عن القول إن واشنطن تضع الرئيس "نياسنجبي" نصب عينيها, وهي تواصل ضغوطها عليه منذ أمد طويل, بهدف حمله على إجراء الإصلاحات المطلوبة في بلاده. وبوجه عام, فقد ظلت الصين تواصل دورها في القارة الإفريقية منذ عقد الستينيات. غير أن معدل نشاطها ودورها الحالي هناك, بلغ حداً غير مسبوق على الإطلاق. فعلى امتداد القارة كلها, تواصل الصين فرض سيطرتها واستحواذها على أصول الموارد الطبيعية هناك. وقد كشف عن هذه الحقيقة, تقرير صادر عن "مجلس العلاقات الخارجية" الأميركي, في شهر يناير الماضي. وقال التقرير نفسه إن لبكين من الوسائل ما يمكنها من الفوز بالعطاءات على منافسيها الغربيين, في مقاولات رئيسية ذات صلة بمشروعات البنى التحتية الأفريقية, فضلاً عن تقديمها خدمات القروض السهلة, وغيرها من الحوافز التي تمكنها من التغلب على منافسيها الغربيين. وذكر التقرير أن التجارة الصينية- الأفريقية, تحقق اليوم أرقاماً قياسية غير مسبوقة, حيث ازدادت بما يفوق الثلث, خلال الأشهر الأحد عشر الأولى من العام الماضي 2005 وحده! كما ينتشر المستثمرون الصينيون في كل واحدة من الدول الإفريقية, في حين يزداد استخدام الأفارقة للدراجات الهوائية وبناطيل الجينز والمجوهرات الصينية.
ومما لاشك فيه أن القوة الدافعة الرئيسية لهذه العلاقات, ظمأ الاقتصاد الصيني الذي لا يرتوي للنفط. فالمعلوم أن واردات الصين النفطية في ارتفاع مستمر, وأن المكون الأفريقي, يشكل نحو 30 في المئة من إجماليها. وليس ذلك فحسب, بل استثمرت شركة "النفط الوطنية الصينية" مليارات الدولارات بهدف السيطرة على منتجات السودان النفطية, التي تقدر بحوالى 150 ألف برميل يومياً قابلة للنمو. وفي الوقت ذاته وافقت شركة نفطية صينية أخرى, على دفع ما قيمته 2.3 مليار دولار في شهر يناير الماضي, مقابل شراء حصة رئيسية لها, في أحد حقول النفط النيجيرية. وفي المقابل, فإن مما لا ريب فيه أن القارة نفسها تحقق فوائد ومكاسب عدة, من اتساع هذه الاستثمارات الصينية في بلدانها. وأحد هذه المكاسب أن تزايد الطلب الصيني على الموارد, قد أسفر عن ارتفاع في الأسعار هناك, بل وعن ارتفاع في إجمالي الناتج القومي, للكثير من تلك الدول. أما في المجال التعليمي, فقد تكفلت الصين بتعليم الآلاف من الطلاب الأفارقة في جامعاتها ومعاهدها, فضلاً عن ابتعاث المئات من أطبائها ومستشاريها إلى الدول الأفريقية سنوياً. وفي الكثير من بلدان القارة, تتولى الشركات الهندسية الصينية, بناء الطرق وإعادة تأهيل البنى التحتية, علاوة على توصيلها لخدمات الهاتف الجوال, إلى أصقاع أفريقية نائية, ما دخلتها خدمة الهواتف الأرضية أبداً!
لكن عند المقارنة النهائية الأعم, فإن حجم التجارة الأميركية مع القارة الإفريقية, لا يزال متفوقاً على نظيره الصيني. غير أن ذلك لا يقلل من حقيقة النمو السريع الذي يشهده إجمالي تجارة بكين مع إفريقيا. وليس أدل على ذلك من تفوق الصادرات الصينية على الأميركية للقارة في عام 2003, من حيث الحجم والسعة. وبعد سرد كل هذه الحقائق, فكيف ستتصدى واشنطن لهذا التحدي الصيني؟ المشكلة أن الإجابة على هذا السؤال, إنما تحدها جملة من التعقيدات والأحداث والسياسات التي تضعف موقف أميركا, باعتبارها دولة تدعو للشفافية ولاحترام حقوق الإنسان والديمقراطية. ولما كان نصيب الصين من كل هذه القضايا والهموم جد ضئيل, فإنها تجد نفسها أكثر تحرراً من أميركا, في إدارة وتوسيع نطاق استثماراتها الإفريقية, دون أي محاولة من جانبها, لحث الدول والحكومات التي تتعامل معها, على إجراء أي إصل