ادعت طهران هذا الأسبوع تمكنها من تخصيب اليورانيوم, فيما يعد الخطوة الأولى نحو تطوير السلاح النووي. والسؤال الذي يطرح هنا هو ما إذا كانت إدارة بوش قد تعلمت الدرس العراقي, أم أنها ستكرر وضع أمتنا مجدداً على طريق المواجهة العسكرية مع إيران؟ وبالطبع فما من أحد معني بالأمن القومي الأميركي, لا يبدي قلقاً إزاء سعي إيران لتطوير ترسانتها النووية. فالذي لا ريب فيه أن تطوراً كهذا, سيجعل من إيران قوة مزعزعة للأمن الشرق أوسطي, بل ولأمن العالم كله. وهذا هو عين السبب الذي يجعلنا في أمسِّ الحاجة للدور القيادي الأميركي, الهادف إلى التوصل إلى حل دبلوماسي يعول عليه للأزمة. لكن وبدلاً من أن تسلك الإدارة هذا الطريق, فقد تواترت التقارير الإخبارية عن لجوئها إلى عقيدة الحروب الاستباقية الفاشلة, فيما ورد عن مخططات جديدة للبنتاجون, تدور حول احتمال مواجهة عسكرية مع طهران. وفيما لو تأكدت صحة هذه التقارير, فإن على الأميركيين إبداء قدر كبير من الاهتمام بهذا الأمر.
يذكر أن الرئيس بوش كان قد أعلن عن عقيدة الحروب الاستباقية لأول مرة, في خطابه الذي ألقاه في يونيو من عام 2002. وكما ورد في صياغته المعبر عنها في وثيقة "استراتيجية الأمن القومي" الصادرة في سبتمبر من عام 2002: "فكلما ازداد الخطر والتهديد, كلما ازداد خطر اللافعل, وكلما ازدادت الحاجة إلى القيام بفعل استباقي, بغية الدفاع عن أنفسنا". لكن ما هي إلا أسابيع معدودة فحسب بعد ذلك, حتى تكرر ذكر هذه العقيدة مجدداً, في النسخة الأخيرة من استراتيجية الأمن القومي. وبموجب الوثيقة المذكورة, ربما تلجأ الولايات المتحدة لاستخدام القوة استباقياً, قبل وقوع الهجمات عليها. ذلك أنه "لا يمكن لأميركا أن تقف مكتوفة الأيدي, إلى أن يتحول الخطر الداهم عليها إلى واقع فعلي, ويصبح حقيقة". ولكن الحقيقة أن الخطر كل الخطر, إنما يكمن في هذه العقيدة بحد ذاتها. ففي سبيل الاستخدام الراشد لها, لابد أولاً من أن تكون معلوماتنا الاستخبارية صحيحة دائماً. وكم هو صعب إن لم يكن متعذراً هذا الالتزام, في عالم الاستخبارات وأسلحة الدمار الشامل الرمادي, الكثيف الظلال. وكما رأينا قبيل شن الحرب على العراق, فإن المعلومات الاستخبارية لا تكون خاطئة فحسب أحياناً, وإنما يمكن تحريفها وتشويهها بالكامل أيضاً. وقد تكبدت بلادنا خسارة باهظة, فيما يتصل بمصداقيتها, جراء تلك الأخطاء. ثم ما أبعد حصول واشنطن على أي دعم دولي يقوم على عقيدة الحرب الاستباقية, فيما إذا قررت خوض نزاع مسلح مع طهران.
ثانياً، والأخطر من ذلك كله, إن في وسع عقيدة الحرب الاستباقية, أن تزعزع الاستقرار العالمي في مجموعه, خاصة إذا تأكد لأعدائنا أن السبيل الوحيد لاتقاء شر الضربات الاستباقية, هو حصولهم على السلاح النووي. ومما يجب ألا يغيب عن بالنا, ضرورة ملاحظة إيران, للطريقة التي نعامل بها "بيونج يانج", بسبب حصولها على السلاح النووي. وبذلك نكون قد أسهمنا في إثارة حمى السباق النووي, ونشر الأسلحة النووية, التي تسعى الإدارة لمنع نشرها!
ثالثاً وأخيراً, ربما يؤدي هذا الاعتماد المفرط على نهج الحرب الاستباقية, إلى تهميش الدور الدبلوماسي والتقليل من شأنه. وبما أن معلومات الإدارة نفسها تؤكد أن طهران لا تزال بعيدة ببضع سنوات عن تطوير الأسلحة النووية, فإن هناك متسعاً من الوقت كي نظهر فيه قوة وفاعلية الدور الدبلوماسي. وأكثر ما يزيد المخاوف والقلق اليوم, ما يتردد من تقارير تتحدث عن احتمال مبادرة الإدارة باستخدام الأسلحة النووية التكتيكية, في مواجهتها المحتملة مع طهران! ويدور الحديث الشائع الآن, عن احتمال استخدام واشنطن تحديداً, للأسلحة النووية الخارقة للتحصينات الأرضية, بغية تدمير الأهداف العسكرية النووية المخبأة في باطن الأرض. والخطر أن هناك من أعضاء فريق بوش, من يدفعون باتجاه "تطبيع" استخدام الأسلحة النووية, وجعل ذلك الاستخدام, امتداداً طبيعياً للأسلحة التقليدية!
داياني فاينشتاين
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عضوة بارزة في مجلس الشيوخ الأميركي عن ولاية كاليفورنيا
ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"