ماذا سيحدث إذا أُسقطت "حماس" فعلاً؟ سيكون الرئيس محمود عباس أمام أحد حلَّين على الأغلب: إعلان تنظيم انتخابات جديدة, أو تشكيل حكومة طوارئ لفترة غير محددة. الخيار الأول ينطوي على خطر فوز "حماس" مرة ثانية بالانتخابات, والعودة إلى المربع الأول. لكن لقطع الطريق على مثل هذا الفوز فإن الانتخابات لن تتمتع بالنزاهة والحيادية وغياب البلطجة التي رافقت الانتخابات الأولى, وذلك لضمان فوز "فتح" ولو بالقوة. في هذه الحالة فإن شرعية الحكومة الجديدة في عيون الفلسطينيين ستكون مشكوكاً فيها. وهنا فإن "حماس" ستعود بعنف إضافي إلى مرحلة العمليات التفجيرية داخل إسرائيل, وستعمل الحكومة على إثبات قوتها للعالم الخارجي عن طريق الصدام مع "حماس" لمحاولة لجم عملياتها. آنذاك سيصل الوضع الفلسطيني حقيقة لحافة الحرب الأهلية التي تم تجنبها لسنوات. والكل سيخسر.
الخيار الثاني وهو تجاوز فكرة الانتخابات كلياً وتشكيل حكومة طوارئ سيحظى في أغلب الظن بالدعم الدولي لأنه سيأتي بحكومة رئاسية تبرر وجودها بأنه مؤقت, لكنها لن تتهم بأنها قائمة على انتخابات مزورة أو شرعية مسروقة. وربما جاز التوقع بأن مسودات وسيناريوهات هذا البديل ربما تُصاغ الآن. ستعمل واشنطن وتل أبيب والاتحاد الأوروبي على توفير دعم مالي إضافي لهذه الحكومة ليصل إلى الشعب الفلسطيني بهدف إقناعه بأن اختياره السابق لـ"حماس" كان خاطئاً. وستكون كل الجهود منكبة على رسم فوارق كبيرة بين أثر حكومة "حماس" وأثر من سيخلفها على المواطن الفلسطيني من ناحية معيشية وناحية وصول احتياجاته وتسديد مرتبات عشرات الألوف من الموظفين, وهكذا. لكن "حماس" سيكون ردها عنيفاً وكما هو في حال البديل الأول, وبالتالي فإن ما يتحقق على صعيد الأمن المعيشي سيتبعثر على صعيد الأمن العام, لأن إسرائيل سترد على "حماس" بعنف يطال الفلسطينيين, والسلطة الجديدة لن تتردد هي الأخرى في الضغط على "حماس".
في الحالتين, وعلى خلفية ما سيراه أفراد ومجموعات داخل "حماس" وعلى مقربة منها من أنه فشل للتجربة السياسية للحركة بدليل ألا أحد يسمح لها بمزاولة السياسة, فإنه ليس من المستبعد حدوث انشقاقات لمجموعات عسكرية متطرفة عن "حماس". ولئن كانت "حماس" في مسيرتها الطويلة قد تجنبت حقا الانخراط في صدامات مسلحة مع منافسيها, وخاصة "فتح" وسلطتها, فإن المجموعات المنشقة عنها والتي لا يعوزها السلاح المكدس بشكل مخيف في قطاع غزة بالأخص لن تحتكم لا إلى الحكمة ولا إلى الخبرة التاريخية لـ"حماس". بل ستكون مدفوعة بالرغبة في الانتقام.
ليس ما سبق إلا بعض التقديرات العجلى, ولا تزعم تقديم كافة جوانب الصورة أو السيناريوهات المتوقعة. لكنها تشير إلى مأساوية الوضع الراهن الناجم عن الحصار متعدد الأطراف ومتعدد الأوجه الذي تواجهه الحكومة الفلسطينية التي شكلتها "حماس". وهو يستحق أن يوصف بأنه جامع لمساوئ دولية وإقليمية وغباء سياسي فادح مدفوع بالثأرية أكثر مما هو بالبراغماتية السياسية. فكل الأطراف المتواطئة في الحصار, إسرائيل وأميركا وأوروبا أولاً, فثم بعض الفلسطينيين ثانياً, ثم بعض العرب ثالثاً، يدركون أن الضحية المباشرة له هو الشعب الفلسطيني الذي تقرر معاقبته لأنه اختار "حماس". وزير الخارجية الهولندي قال في أعقاب اجتماع الاتحاد الأوروبي الذي قرر وقف المساعدات المالية عن الحكومة إن الشعب قرر أن يختار "حماس" وعليه أن يشعر بتبعات اختياره. وهكذا فإن الرسالة الفوقية المستفزة التي يُراد إيصالها للفلسطينيين هي أن عليكم أن تفكروا وتقرروا كما نملي عليكم, سواء أكان ذلك بالديكتاتورية أم بالديمقراطية.
هناك أخطاء ارتكبتها "حماس" بالتأكيد بعيد فوزها بالانتخابات, بعضها تعلق بالبيان الوزاري الذي تماحك في شرعية تمثيل منظمة التحرير وافتعل معركة دونكيشوتية خاضتها "حماس" وألَّبت بسببها جهات كان بالإمكان استقطابها. وبعضها الآخر تعلق بكادر الحكومة وعدم أهلية بعض الوزراء الذين ظنوا أنهم يمسكون بمقاليد الخلافة العباسية في عصر المعتصم, وصاروا يتبرعون بتصريحات السياسي منها منسوب للعنتريات الفارغة, والثقافي والإعلامي منها منسوب لجهل مطبق بأولويات الثقافة والإعلام في حال كالحال الفلسطيني.
لكن كل أخطاء "حماس" هنا وهناك ومن ناحية واقعية وموضوعية يجب ألا تغطي حقيقة مهمة وهي أن "حماس" أنضجت خطاباً سياسياً في بيانها الانتخابي، ثم في بيانها الوزاري للحكومة، مركباً ومؤهلاً لأن يتطور ويحافظ على الحقوق الفلسطينية من ناحية ويتلمَّس طريقه في درب السياسة الدولية وأشواكها أيضاً. لم تتحدث "حماس" في البيانين المذكورين لا عن إزالة إسرائيل من الوجود, ولا عن التحرير من البحر إلى النهر حتى تستفز الآخرين, لكنها تبنت منطق لغة القانون الدولي وركزت على مقاومة احتلال عسكري غاشم تبرر مقاومته كل الشرائع المعروفة. وجوهر خطابها كله حام ويحوم حول مفهوم حل الدولتين, الذي يقر ضمناً بحقيقة وواقع وجود إسرائيل لكن لا يقر بشرعية ذلك الوجود. مطالب