شهدت الفترة الأخيرة تنامياً ملحوظاً للحديث الإعلامي المرتبط بمسائل العمالة الوافدة في الدولة، والتي سنسمِّيها تجاوزاً هنا بـ"المسألة العمالية". وما يستطيع المرء قوله، بموضوعية وبضمير مرتاح تماماً، هو أن هذه الادعاءات، وهذه المقالات والتحقيقات الصحفية، فيها من الافتعال ولغة التضخيم، وليِّ أعناق الحقائق، بل والأغراض غير الشريفة، ما يبدأ مع بداية كل مقال منها ولا ينتهي إلا مع نهايته. وليس معنى هذا طبعاً أن شركات القطاع الخاص في الدولة، لا تخطئ في حق عمالها، أو لا تؤخر أحياناً مرتبات مستخدميها، ولكنَّ الجميع يعرف أيضاً أن الإمارات هي دولة قانون ومؤسسات وعدل، تقوم فيها السلطات المختصة، بصرامة وحزم، بإيقاف تلك الشركات المتجاوزة عند حدها، وإعطاء كل ذي حق حقه، وأكثر. ومن المعلوم أن مثل هذه المخالفات الفردية تقع في أي مكان في العالم، وليستعرض لنا كُتاب هذه التقارير الصحفية ولو نبذة مختصرة عن عدد وحجم المنازعات العمالية المنظورة أمام محاكم أي مدينة أميركية أو أوروبية واحدة، لنرى الفرق، ونقارن!
وجه الافتعال في "المسألة العمالية"، لا تخطِئه العين، من أية زاوية نظرت إليه، وعلى أي وجه من وجوهه قلَّبته. وعلى سبيل المثال، هل يحتاج المرء إلى فطنة خارقة لملاحظة تزامن النشر عن هذه "المسألة"، في الصحافة والإذاعات وبعض وسائل الإعلام الغربية، في ما يشبه الحملة المُنظمة؟ ولتقريب الصورة أكثر يمكننا ملاحظة أن هذه الحملة أطلقت شرارتها –للأسف- صحيفة إماراتية ناطقة بالإنجليزية يوم 21 فبراير الماضي، وفي 27 منه كانت الأسوشيتدبرس هي أول وكالة عالمية تردد هذه المزاعم، لتلحق بها صحيفة "واشنطن بوست" دون تأخير يوم 1 مارس. وبلغت الحملة ذروتها مع تقرير "هيومان رايتس ووتش"، في 6 مارس، ما استدعى من وزير العمل الرد شخصياً لتفنيد هذه المزاعم. وبعد ذلك لحقت بـ"الحملة" الصحف الهندية، والإندبندنت والتايمز، وتوالت بعد ذلك إلى ما يزيد على مئة مقال وتحقيق في الصحافة الدولية حتى الساعة. وبين هذا وذاك كانت "الأوبزيرفر" قد نشرت تقريراً يقطر بالكذب والدس.
ثم هل يقل افتعالاً عن الحملة نفسها، من جانب العمال هذه المرة، ما قيل إنه كان سبباً مباشراً وراء أعمال التخريب العنيفة التي أقدم عليها بعض العمال الأجانب مؤخراً، وهو أنهم قد "ضاقوا بالزحام" في الطريق من وإلى العمل، حيث إنهم يمضون قرابة الساعة وسط زحمة السير لتصل حافلاتهم إلى مواقع العمل في دبي؟! هل المطلوب مثلاً، إيقاف حركة المواصلات حتى تصل حافلات هؤلاء العمال بسرعة؟ وهل يعاني العمال وحدهم من الزحام؟ وقبل هذا وذاك، ما هذه القدرة المريبة على التعبئة، بتجميع مئات العمال في طرفة عين، لعرقلة السير على شارع رئيسي، إن لم يكن هنالك، في الخفاء، من يتولى "الضبط والربط" والتحريض، والتعبئة، في صفوف العمال؟ وهل تم "احتجاج" من هذا القبيل، دون أن تسبقه كاميرات الصحف ووكالات الأنباء إلى الموقع المُحدد، لتقف في انتظاره؟! المؤشرات هنا كثيرة، حول الافتعال، ووجود "مدبر" ومحرض لهذه الأعمال المُخلة بالسكينة والأمان العام.
أعتقد شخصياً أن "المسألة العمالية"، باتت بدرجة من الأهمية تقتضي منا تقديم استجابة غير عادية، تتجاوز عموميات الكلام الموسمي الإعلامي العائم حول "مشكلة التركيبة السكانية". فالمسألة وصلت إلى حدود خطيرة، وباتت سمعة الدولة، ومصالحها الحيوية الوطنية، على المحك. وعندما تصل الأمور إلى هذه الدرجة من الخطورة، فلا مجال إلا للمكاشفة، والمصارحة، والانفتاح على وسائل الإعلام المحلية خاصة، خيار مصيري ومحوري هنا. فنحن ليس لدينا ما نخفيه، وليقدمْ لنا العالم دولة تفتح ذراعيها برحابة صدر، وسماحة نفس، أمام كل هؤلاء الملايين الذين نفتح أمامهم أبواب الرزق الشريف. أعتقد أن لغة الوقائع والشواهد الملموسة على الأرض أبلغ بكثير، من الجعجعة الإعلامية الغربية المُرسلة، والمبنية فقط على كثير من التهيؤات والثرثرة التافهة وسوء النوايا والتقدير. فلنجعل نحن ما تقوله لغة الواقع، بصدق وأمانة، شاهداً لا يكذب على سلامة موقفنا. وهو موقف سليم قطعاً بكل المقاييس الإنسانية، من ألفه إلى يائه.