أذكر أنني قرأت العامية في الصحف الكويتية والمصرية، ولا علم لي بباقي الصحف العربية، وهو ما لا يحصل في صحافة الإمارات، باستثناء صفحة عامية هزَلية في ملحق أسبوعي لإحدى الصحف.
الغريب أن الصحف تفرد مساحات واسعة لكل ما يصلح للنشر، فلماذا الضنّ ببضع مقالات للهجة الإماراتية؟ ألا ترقى العامية إلى مستوى أرقام الطوارئ والكلمات المتقاطعة في أسوأ الأحوال؟ وإذا لم تكن العامية جديرة بدخول الصحيفة الرئيسية، فما الضرر لو خُصص لها ملحق يومي مع عشرات الملاحق الأخرى؟
ما المانع لو قرأ الناس بلغتهم المحكية التي يضحكون بها ويحبون ويتغزّلون ويحلمون ويبكون ويئنون ويعتبون؟ لغة مفردات أشيائهم وأسماء أفعالهم وأمثالهم وقصصهم. أليست الأقرب من الفصحى التي لا يستعملونها إلا في أضيق الحدود، خاصة وأن عدداً غير قليل من الناس ضعاف المستوى في الفصحى؟ فهل دور الصحافة معاقبتهم لأنهم ليسوا متمكّنين من الفصحى؟
ثم إن الإنترنت الإماراتي، إن لم يكن كلّه، فجلّه عامي، فشباب الإمارات، وشباب المستقبل من بعدهم، يجدون فيه تعبيراً صادقاً عن مشاعرهم وهمومهم وتطلعاتهم، وصارت العامية أمراً واقعاً هناك.
ولو قيل إن القرّاء هنا متنوّعون، وقد يُبعد هذا القرّاء العرب، فالجواب أنه كما استمتعت بقراءة اللهجة المصرية في مصر، فلا أظن العرب سيبكون لو قرأوا الإماراتية في الإمارات، وفي أسوأ الأحوال فإنهم سيتعلمون لهجة لن تضرهم معرفتها خاصة وأنهم يتعاملون يومياً مع الناطقين بها.
ولا أقصد هنا العامية الشعرية التي يدق فهمها حتى على بعض الإماراتيين، أو العامية المبتذلة، بل العامية المتداولة والجادة التي يعرفها الجميع تقريباً. وحسب بعضهم، فإن العامية الإماراتية هي الأقرب إلى الفصحى من أخواتها العاميّات العربيات.
أما الاحتجاج بالمحافظة على اللغة العربية، فمردود بأن اللغة، مطلق لغة، ما وُجدت إلا لخدمة الناس، وفي اليوم الذي تصبح فيه اللغة عبئا وتحتاج إلى من يخدمها، فليس من العقوق إيداعها دار المسنين. ولا أعني هنا العربية بالذات، فهي محفوظة بحفظ القرآن الكريم. وحتى لو كان بعضهم يعتبر العربية العنصر الأخير المتبقي من عناصر الهوية العربية، فالأمر نفسه ينطبق على اللهجة المحلية التي قد تكون العنصر الأخير المتبقي في هوية الإماراتيين أنفسهم. ثم إن المحافظة على اللغات تقع على عاتق وزارات التعليم والثقافة، وليس على الصحف التي لم تتأسس للحفاظ على اللغات.
ليس في هذا القول دعوة إلى تحويل الصحف بالكامل إلى اللهجة المحلية، فهذا مستحيل أصلاً، فهل يُعقل أن يجيء المانشيت هكذا: "بوش مب عايبتنّه سوايا الحكومة العراقية" أو "محّد شبّر صوب معرض الكتاب". لكنني أعني مواد الرأي والمقالات عموماً، خاصة تلك المهتمة بالشأن المحلي.
ثم، ألا يمكن اعتبار اللهجة المحلية من أسباب نجاح برامج البث المباشر؟ إنني أتخيل لو أنهم أخذوا يتحدثون بالفصحى، فإن تفاعل المستمعين سيزداد لسبب واحد فقط، ألا وهو تقليد المذيعين أنفسهم والدخول في جو عادل إمام حين يتحدث الفصحى. مع ملاحظة أن المذيع يمكنه أن يضفي، بلكنته ومخارج حروفه، نكهته المحلية حتى لو كان الكلام متعلقاً بأبحاث الفضاء، بينما الكاتب بالفصحى، حتى في الأمثال الشعبية وقصص الجدّات، يُشعرك بأنه يخطب فيك مِنْ على منبر. إذن، ما الذي يمنع وجود برامج بث مباشر مقروءة؟.