يعد افتتاح خط "بي تي سي" لأنابيب النفط– وهو الخط الذي ينقل منتجات الغاز والنفط من منطقة بحر قزوين, ماراً عبر باكو بجمهورية أذربيجان ثم تبليسي عاصمة جمهورية جورجيا, وصولاً إلى ميناء جيهان التركي, الواقع على سواحل البحر الأبيض المتوسط- يعد إنجازاً كبيراً للسياسة الأميركية. فقد مارست كل من إدارتي الرئيس الأسبق بيل كلينتون وجورج بوش, ضغوطاً كبيرة على شركات النفط العالمية, بغية استقطاب دعمها لمشروع الخط, وإبعاد نقل وتصدير الغاز الطبيعي والنفط المنتجين في منطقة بحر قزوين, عن أي تدخل محتمل من جانب روسيا وإيران.
لكن وعلى رغم هذا الدور الأميركي, فإنه ما كان للخط أن يترجم إلى واقع عملي, لولا القرار الحاسم الذي اتخذته شركة BP البريطانية المستثمرة في مجال النفط, مخاطرة بذلك بالاحتمالات الربحية للمشروع, مع العلم أنها أنفقت أموالاً طائلة في تشييده, رغم عدم تأكدها بعد من ربحيته.
كما يجب القول أيضاً إن الحوافز المالية التي قدمتها كل من أذربيجان وجورجيا وتركيا, كانت جميعها عوناً كبيراً في إنجاح المشروع. بيد أن قرار شركة BP قد بُني أصلاً على اعتبارات اقتصادية, أعربت الشركة من خلالها عن آمالها في نجاح المشروع, وجني أرباح طائلة منه مستقبلاً. لا يعني هذا بالطبع أنه لم تكن هناك أي اعتبارات سياسية في عملية اتخاذ القرار هذا, إلا أنه ما كان ممكناً للشركة البريطانية المذكورة, أن تتخذ قرارها مستجيبة للضغوط والاعتبارات السياسية وحدها.
فهل يكون هذا الخط رابحاً وناجحاً من الناحية المالية؟ الإجابة أن الوقت لا يزال مبكراً للحكم على ذلك, بسبب اعتماد نجاحه على خط آخر ناقل للغاز الطبيعي, لا يزال تحت التشييد ويتوقع اكتماله قريباً, على أن يكون موازياً لخط "بي تي سي" المذكور. كما يعتمد نجاحه كذلك على ما إذا كانت كازاخستان, ستقرر نقل كميات معتبرة من منتجاتها النفطية المتزايدة عبره, أم أنها ستنقل تلك المنتجات عبر خط آخر يدور حول بحر قزوين, وصولاً إلى محطة باكو, ثم ينقل من هناك إلى جيهان, عبر خط "بي تي سي"؟ والمعلوم أن روسيا تمارس ضغوطاً كبيرة على كازاخستان, لحملها على الاستمرار في نقل منتجاتها النفطية عبر خط بحر قزوين, الذي يمر من ميناء "تنجيز" في كازاخستان, إلى ميناء نوفوروسيسك الروسي الواقع على سواحل البحر الأسود. وعلى رغم المزايا الاقتصادية التي يوفرها هذا الخط, فإن لكازاخستان ترددها ومخاوفها من اعتمادها بكل هذا القدر على روسيا, مخافة أن تخضع صادراتها النفطية يوماً للضغوط الروسية.
والشاهد أن مجرد تشغيل هذا الخط الجديد "بي تي سي" يعد مفاجأة كبيرة بحد ذاته. فحين دعت إدارة كلينتون سابقاً, لتبني خط "الشرق والغرب للغاز والنفط" إنما كانت مدفوعة بدوافع سياسية محضة في ذلك الوقت. وتتلخص تلك الدوافع في حرص واشنطن على حرمان إيران من أي خطوط وطرق تسمح لها بالتوغل في منطقة بحر قزوين. وعلى رغم تردد وشكوك الكثيرين في ذلك الوقت, واصلت واشنطن ضغوطها الرامية إلى تحقيق الهدف السياسي المذكور, فنجحت في استقطاب دعم قوي لإنشاء خط "بي تي سي" في نهاية المطاف.
بيد أن التطور اللاحق لخطوط الأنابيب المارة عبر بحر قزوين, يعتمد على عدة عوامل من بينها, إنشاء خطوط جديدة من سواحل البحر الأسود, وصولاً إلى أوروبا وسواحل المتوسط, عبر مضيق البوسفور الذي لا يزال عرضة للكثير من المخاطر والمهددات الأمنية. كما يعتمد كذلك على استعداد روسيا للاستثمار في خطوط نقل, لا تمر بالضرورة تماماً عبر أراضيها هي. وهناك عدد من المسائل البيئية العالقة التي لا بد من حلها, بما فيها ملكية بحر قزوين نفسه. وأضف لذلك كله, آفاق حل النزاع الأميركي- الإيراني الحالي, وأبعاده الاقتصادية, فيما لو تمت تسويته بما يخدم تطبيع العلاقات مستقبلاً بين واشنطن وطهران.