أعلن خبراء غربيون متخصصون في المجال النووي أن إيران مازالت تفتقد المهارات والمعدات اللازمة للاستفادة من طموحاتها النووية وبلورتها على أرض الواقع، وذلك رغم تأكيد المسؤولين الإيرانيين مواصلة بلادهم تحدي الضغوط الدولية، والإسراع إلى تطوير قدراتها التقنية والعلمية لتخصيب المزيد من اليورانيوم وإنتاج الوقود النووي. وفي هذا السياق صرح محمد ساعدي، نائب مدير الوكالة الإيرانية للطاقة الذرية، بأن بلاده ستبذل قصارى جهدها في المقبل من الأيام لتشغيل 54 ألف جهاز طرد مركزي، وهو ما يشكل زيادة جوهرية عن العدد الحالي من الأجهزة المتمثل في 164 التي أعلن الإيرانيون يوم الثلاثاء الماضي أنهم اعتمدوا عليها لتخصيب اليورانيوم إلى مستويات كافية تمكنهم من إنتاج الوقود النووي. ومع ذلك وصف الخبراء في المجال النووي التصريحات الإيرانية بأنها مبالغ فيها، وبأنه لم يطرأ أي جديد يغير من التقديرات السابقة حول التوقيت الذي ستصبح فيه إيران قادرة على تصنيع سلاحها النووي الأول، مع افتراضنا أن ذلك هو هدفها النهائي. فقد توقعت الحكومة الأميركية أن إيران ستمتلك السلاح النووي في غضون خمس إلى عشر سنوات، كما أكد الخبراء أن إيران ستصل إلى قنبلتها الأولى في نهاية 2020 على الأكثر.
وبالطبع لم يتأخر الرد الدولي كثيراً فبينما انتقدت الحكومات الغربية التصريحات الإيرانية بشدة جاءت الانتقادات الروسية والصينية أقل حدة. فقد دعت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس إلى ضرورة اتخاذ "خطوات قوية" ضد طهران، حيث استغلت التصريحات الإيرانية المتحدية لمجلس الأمن كي تحاول إقناع الأطراف المترددة مثل الصين وروسيا لدعم قرار فرض عقوبات دولية على إيران. غير أن روسيا أوضحت من جانبها أنها لم تغير من موقفها المعارض لسياسة فرض العقوبات.
إلى ذلك يؤكد الخبراء أن تباهي إيران بتخصيبها لليورانيوم اعتماداً على 164 جهازاً للطرد المركزي يعد خطوة صغيرة، لكنها أساسية تفوق ما كانت طهران مستعدة للقيام به قبل ثلاث سنوات تقريباً، عندما وافقت على تعليق عملية التخصيب والدخول في مفاوضات مع الدول الأوروبية حول برنامجها النووي. "ديفيد أولبرايت"، مدير معهد العلوم والأمن الدولي في واشنطن والمتابع للبرنامج النووي الإيراني أكد في حديث له أن "طهران تبالغ كثيرا". وقد أكد هذا الطرح كل من "أنتوني كوردسمان" و"خالد الردحان"، من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، اللذين وصفا المزاعم الإيرانية بأنها "ليست أكثر من محاولة للتموضع السياسي" ترمي إلى تعزيز المشاعر القومية الإيرانية وتكريس الانطباع بأن مساعيها النووية دخلت مرحلة الحتمية ويستحيل ردها إلى المربع الأول. وضمن تقريره الصادر في شهر مارس الماضي، أشار "أولبرايت" إلى أن لدى إيران ما بين ألف إلى ألفي قطعة غيار خاصة بأجهزة الطرد المركزي، وأكد أنه من غير المرجح أن تتمكن طهران من إنتاج اليورانيوم عالي التخصيب الذي يمكنها من تصنيع سلاح نووي مطلع عام 2009. ويرى "أولبرايت" أيضاً أنه لم يفاجأ بأن إيران لديها 164 جهازاً للطرد المركزي وأن تشغيل هذه الأجهزة بدأ بالفعل، لإنتاج غاز اليورانيوم الذي يستخدم في عمليات التخصيب، لكن لا يزال هناك الكثير من الأمور التي يتعين على الإيرانيين فعلها، للتأكد من دقة عملية التشغيل، وهو أمر يحتاج التحقق منه ما بين ستة إلى 12 شهراً.
ويقول الخبراء في المجال النووي إن عزم إيران على تشغيل 54 ألف جهاز طرد مركزي لتخصيب كميات أكبر من اليورانيوم لا يعدو كونه ضرباً من التباهي يشبه ذلك الذي أطلقته قبل سنوات. وهو مازال بعيداً، حسب رأيهم، نظراً لافتقاد الجمهورية الإسلامية لقطع الغيار والمعدات الأساسية لتشغيل عدد كبير من أجهزة الطرد المركزي التي تعمل على تدوير اليورانيوم بالسرعة الكافية لتخصيبه واستعماله إما في المفاعلات النووية، أو لتصنيع القنبلة النووية. فقد استغرقت طهران 21 سنة من التخطيط الدؤوب والمستمر وسبع سنوات من التجارب المتوالية، معظمها كان يجري بطريقة سرية، حتى تصل إلى قدرتها الحالية المتمثلة في ربط 164 جهاز طرد مركزياً. وحسب الخبراء يتعين على طهران في هذه المرحلة ليس فقط الوصول إلى نتائج ثابتة على مدار الساعة ولشهور وسنوات قادمة، بل يتعين عليها الوصول أيضاً إلى مزيد من الدقة والإنتاج بكميات كبيرة. والأمر يشبه إتقان إيران العزف على آلة موسيقية صعبة، لكن المطلوب هو صناعة العديد منها وتنظيمها في أوركسترا تعزف بشكل متواصل ودون نشاز.
وفي تصريح أدلى به المسؤول الإيراني في الملف النووي محمد ساعدي لوكالة الطلبة الإيرانية أن بلاده ماضية قدماً نحو استكمال أهدافها النووية قائلاً: "سنعمل على توسيع أنشطتنا الخاصة بتخصيب اليورانيوم في مفاعل ناتانز لنصل إلى مستوى التصنيع". وأضاف ساعدي أن إيران ستشرع في تشغيل الوحدة الأولى من أجهزة الطرد المركزي في موقع نتانز البالغ عددها 3000 جهاز، وذلك في أواخر 2006 كخطوة أولى لبلوغ العدد النهائي وهو 54 ألف جهاز، مؤكدا "أنه