كنت أتمنى لو كان عنوان المقال "قوة العرب وضعف الجوار" ولكن!!
محزن جدا ما آلت إليه حال العرب من المحيط إلى الخليج. مؤلم أن نتحول إلى مهمّشين في منطقتنا التي تصر أميركا وأوروبا على تسميتها بالشرق الأوسط الكبير ليضموا إلينا إسرائيل وإيران وأفغانستان.. إلخ. لم تعد من حاجة لذلك لأننا بتنا أضعف من أن نقاوم. وما يؤلم أكثر هو أننا نشكل الامتداد والعدد والإمكانيات الأكبر.
هذا مع تراجع دول المركز الأساسية وفقدان قدرتهما على التأثير على الأحداث وتحولها لظاهرة ردات الفعل دون المبادرة. فمنذ توقيع مصر لاتفاقية كامب ديفيد لم تعد اللاعب الرئيسي. وجاء حصار وإضعاف سوريا التي تتهددها العقوبات ويهمش ما تبقى لها من بقايا وزن وتأثير. أما السعودية فقد وجدت نفسها في مواجهة الاستراتيجية الأميركية للمنطقة.
وسط هذا الوهن الذي لحق بأدوار دول المثلث الاستراتيجي لدول القلب في المشرق العربي يخرج العراق من المعادلة الاستراتيجية ويقترب من حرب مذهبية- طائفية تهدد بانعكاسات إقليمية مقلقة، زادت من سخونتها ولهيبها تصريحات الرئيس حسني مبارك التي أحدثت ارتدادات إقليمية مقلقة عندما اتهم علنا أغلبية الشيعة من أبناء المنطقة بأن ولاءهم لإيران. حيث عبر العراق وشيعة لبنان والكويت والبحرين وبقية الدول عن غضبهم وطالبوه بالاعتذار والتوضيح. مع مقاطعة العراق لاجتماع مؤتمر وزراء خارجية دول جوار العراق في القاهرة احتجاجاً.
ما بات حقيقة مؤلمة هو قوة وسطوة الآخرين على حسابنا وأمننا القومي. وما يزيد من ضعفنا ووهننا هو عوامل التجزئة والتبعية، وعجزنا عن التطوير في شتى المجالات، وزادنا حصاراً النزيف والخسائر المتتالية من النكبة إلى النكسة، ومن غزو واحتلال العراق للكويت وعجز النظام الأمني العربي عن حماية وحداته وخاصة الصغيرة. وأتى 11 سبتمبر وتداعياته ليكمل حلقة الحصار والإطباق الكلي. ليصل الأمر بواشنطن لتملي علينا شروطها وتعاليمها حول مناهج التعليم والجمعيات الخيرية والحريات والديمقراطية. نجاح إيران في تخصيب اليورانيوم كعصيان وتحدٍّ علني من دولة من دول "محور الشر" –حسب التوصيف الأميركي- بعد أسبوع من تجارب ناجحة لصواريخ "فجر 3" و"كوثر" وغيرها يدخلها النادي النووي، بينما نحن كعرب الأكثر عدداً وقدرة وإمكانيات تحولنا إلى متفرجين مرعوبين متحسِّرين، وسط تحدي إيران للاستراتيجية الأميركية والغرب ككل.
إسرائيل وبغطاء أميركي– أوروبي تقهر الفلسطينيين وتقتلهم إضافة إلى قطع المساعدات في عقاب جماعي للشعب الفلسطيني تشارك فيه أميركا وأوروبا معاً. سوريا محاصرة، مصر فقدت ثقلها الطبيعي، لبنان منقسم على نفسه، دول الخليج تعيش على وضع أمني بين إيران وطموحها النووي من جهة، والعراق المتشظي من جهة أخرى، في تفتيت وتشرذم كلي لما تبقى من الكيان العربي الذي يزداد ضعفا وتراجعا فيما محيطنا لا يحسب لنا حساباً.
وسط كل هذا، هناك تسريبات باستخدام واشنطن لقنابل نووية تكتيكية لمنع إيران من حيازة السلاح النووي!
ماذا يجري من حولنا؟
لقد باتت إيران أقوى منا. إسرائيل النووية تتحكم وتعربد بلا حسيب أو رقيب. وتركيا العضو في حلف "الناتو" والمتطلعة للغرب في وضع أفضل منا. فيما دولنا الكبيرة الاستراتيجية في حالة انعدام تأثير، وتصارع لتبقي رأسها فوق الماء فحسب. لماذا وصلنا إلى هذا المنحدر السحيق وما العمل؟ سؤال برسم القادة والأنظمة العربية التي أوصلتنا إلى هذه الحالة.