أثارت صفقة "موانئ دبي العالمية" و"بي آند أو" جدلاً واسعاً حول قضايا تجارية عديدة وسلطت الأضواء عالمياً على المسكوت عنه في ملف التجارة الدولية متمثلاً في تنامي النزعات الحمائية شرقاً وغرباً بما يهدد تطبيق أية صيغة معولمة لحرية التجارة، وكان من بين ما أثارته الصفقة أيضاً جدلاً حول مردودها وهل تسببت في تقويض سمعة دبي أم أنها قدمت لها شهرة مجانية على طبق من ذهب من خلال مئات التقارير والمقالات التي كتبت عن دبي وطموحاتها التنموية غير المحدودة وكنموذج تنموي يحتذى، إذ تقدم بديلاً استراتيجيا يمكن الاقتداء به على المستوى الإقليمي والعالمي، كما تقدم أيضاً الوجه الآخر المشرق للعالم العربي والإسلامي باعتباره ممثلاً أو سفيراً ناجحاً لمنطقة اشتهرت بالأخطار ولا يتداول عنها عالمياً عبر وسائل الإعلام سوى أخبار القتل والدمار والحروب والصراعات.
أيا كانت نتائج الجدل حول المردود النهائي لهذه الخطوة، فإن من الضروري الاعتراف بأن الصفقة قد جذبت أنظار العالم بشدة إلى دبي، وسلطت الضوء على ما يحدث من إنجازات تنموية في هذه المنطقة من العالم، لاسيما بعد أن اعترف الكثير من الخبراء والمتخصصين الغربيين بمستوى الاحتراف والمهارة الإدارية والكفاءة التنظيمية والمالية التي تدار بها شركات عملاقة مثل "موانئ دبي العالمية" وغيرها من الشركات الإماراتية التي باتت تحلِّق في سماوات التجارة العالمية. ولعل من مظاهر الاهتمام بما يحدث في دبي أن الأدبيات السياسية والإعلامية باتت تتداول مصطلح "نموذج دبي" كمرشد ودليل لمسيرة التطور المنشودة في العالم العربي، بل إن سطوع النموذج وقوة إبهاره قد دفعت الكثير من كتاب الرأي في الصحافة العربية إلى الخروج من دائرة الترويج للسلطة الحكومية والأنظمة في بلادهم والاعتراف بأسبقية الإمارات على الصعيد التنموي، وباتت تتداول على صفحات الصحف العربية تساؤلات كانت حتى وقت قريب تطفو على السطح تلميحاً أو على استحياء بسبب الحساسيات العربية التقليدية، ولكن الصعود القوي في الآونة الأخيرة لإحدى الشركات الإماراتية على الصعيد الدولي، أزال الحرج عن الكثير من الأقلام التي تخلصت من حساسية المقارنة وذهبت إلى حد "التمني" بأن تسير دولها على درب الإمارات التنموي، وبات نموذج الإدارة الإماراتية التي تتعامل مع السوق باحتراف واضح يثير غيرة محمودة لدى الآخرين، حتى أن بعضهم بات يقارن علانية -من دون حساسيات- بين أداء الشركات الوطنية في بعض القطاعات بدولهم من ناحية وبين أداء الشركات الإماراتية من ناحية ثانية، وفي هذا الإطار تنال "اتصالات" الإماراتية نصيباً كبيراً من شهرة النجاح باعتبارها نموذجاً لإحدى الشركات العربية الناجحة في قطاع الاتصالات الدولي. وبات تخطيط الطرق والشوارع في دولة الإمارات مثار إعجاب للزائرين، بل إن ما كتب خلال الفترة الأخيرة عن الإمارات في وسائل الإعلام العالمية دفع الكثيرين إلى مراقبة الظاهرة عن قرب وزيارة الإمارات للتعرف إلى عبقرية التخطيط والإنجاز التنموي الذي تم في فترة زمنية وجيزة.
النجاح يولد النجاح ولكنه يولد كذلك رغبات محمومة في خوض غمار المنافسة لدى الآخرين، ومن هنا تنبع صعوبة تحدي البقاء على القمة والحفاظ على قصب السبق بين المتنافسين.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للبحوث والدراسات الاستراتيجية