لم تقنع هيئة بحوث "مرصد الإصلاح العربي" بمكتبة الإسكندرية في الرصد الدقيق للتطور في مجالات الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي وتحولات المجتمع المدني في العالم العربي لعام 2005، وإنما انطلقت للتحليل النقدي للخطابات عن الإصلاح السياسي التي صدرت عن أحزاب سياسية عربية، أو دراسة وتحليل الخطاب الغربي حول الإصلاح. ولعل هذه المهمة البحثية المزدوجة تعكس منطق موجة الإصلاح السياسي في العالم العربي الآن، والذي يتمثل في مطالب الداخل التي تعبر عنها الأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني والمثقفون العرب بشكل عام، وضغوط الخارج، والتي تتركز أساساً في استراتيجية الولايات المتحدة الأميركية لفرض الديمقراطية على العالم العربي، انطلاقاً من فرضية أساسية مبناها أن انسداد قنوات التغيير الديمقراطي أمام أجيال الشباب العرب، هو الذي أدى إلى انتشار الفكر المتطرف والذي هو بذاته وقود الإرهاب.
وإذا كان التقرير الأول لمرصد الإصلاح العربي قام أساساً على "مسح" الأوضاع المختلفة في العالم العربي، على أساس القاعدة المعروفة في مناهج البحث وهي أن "المسح ينبغي أن يسبق التعمق"، إلا أن التقرير خرج على هذه القاعدة، وآثر أن يجري دراسة حالة لمصر فيما يتعلق بالخطابات السياسية التي تصارعت فيها فيما يتعلق بالإصلاح.
لماذا "دراسة حالة" عن مصر تحديداً؟
اختيار مصر كدراسة حالة يرد إلى عاملين مهمين. الأول هو تنوع التيارات السياسية في مصر على مختلف الاتجاهات السياسية الليبرالية واليسارية والإسلامية، الأمر الذي يوفر فرصة مهمة للتعرف على مضمون خطابات تلك التيارات في ضوء وحدة السياق المحلي والإقليمي والدولي الذي تطرح فيه هذه الخطابات. والثاني هو ما شهدته عملية الإصلاح السياسي في مصر خلال عام 2005 (وهو موضوع التقرير الأول للمرصد) من تطور بالغ الأهمية وهو تعديل المادة 76 من الدستور المصري، والذي حول الاستفتاء على رئيس الجمهورية إلى انتخابات تعددية تنافسية بين مرشحين متعددين، وفقاً لضوابط خاصة حددتها.
وقد وقع الاختيار على ثلاثة خطابات أساسية لتحليلها، وهي الخطاب الليبرالي بأطيافه المختلفة، والخطاب اليساري القومي، والخطاب الإسلامي. وهو يقرر منذ البداية أنه وإن كان هناك تقارب نسبي بين الخطابات الثلاثة، إلا أن هناك في نفس الوقت فروقاً ملحوظة بينها.
وقد بدأت الدراسة بتحليل الخطاب الليبرالي الذي رأت أنه تميز بدرجة أكبر من العمق، وبقدر أكبر من التماسك والشمول.
وقد اختارت الدراسة خطاب حزب "الوفد" باعتباره ممثلاً للخطاب الليبرالي، وإن كانت اهتمت أيضاً بتيار ليبرالي داخل الحزب الوطني ذاته، حاول أن يقدم رؤية نقدية قد لا تعكس رؤية هذا الحزب بالذات. وقد تمثلت أهم ملامح الخطاب الإصلاحي لحزب "الوفد" في عدة مقترحات أهمها إلغاء الدستور القائم ووضع دستور جديد يتلاءم مع التطورات الديمقراطية الحديثة في العالم، والتحول إلى النظام الجمهوري البرلماني، وإعادة هيكلة الوضع الدستوري لمنصب رئيس الجمهورية بحيث يتحول إلى رمز للبلاد وحكَماً بين السلطات، ويتم اختياره بالانتخاب العام المباشر لمدة ست سنوات قابلة للتجديد لمرة واحدة فقط. وأهمية إصلاح السلطة القضائية، وتم التركيز في هذا المجال على أهمية استقلال ميزانية السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية.
وفيما يتعلق بالحقوق السياسية للمواطن، أكد "الوفد" على عدد من الثوابت الأساسية للمعارضة، وجاء في مقدمتها إلغاء قانون الطوارئ وجميع القوانين الاستثنائية المقيدة للحريات، وإعداد قانون انتخابات جديد.
وقد قررت دراسة المرصد للخطابات السياسية حول الإصلاح أنه على الرغم من القواسم المشتركة المهمة بين الخطاب الليبرالي واليساري/ القومي إلا أنه يظل هناك اختلاف مهم بين هذين الخطابين يتعلق بالإطار والمضمون الاقتصادي الاجتماعي لكليهما.
وتقرر الدراسة بالنص "بينما اقترن الإصلاح السياسي لدى الخطاب الليبرالي بالتأكيد على أهمية التحول إلى اقتصاد السوق والليبرالية الاقتصادية… اقترن الإصلاح السياسي في الخطاب اليساري الذي عبر عنه بوضوح خطاب حزبي "التجمع" و"العربي الناصرى" بالتركيز على قضايا العدالة الاقتصادية والاجتماعية وإعادة توزيع الثروات والدخول..".
وفي هذا السياق جاء الإصلاح السياسي في البرنامج الانتخابي لحزب "التجمع" على سبيل المثال تحت عنوان "حكم الشعب والإصلاح الديمقراطي"، حيث ارتبطت عملية الإصلاح لدى الحزب بهدف أعم وهو "حكم الشعب" الذي أخذ بعداً اقتصادياً من خلال إعادة سيطرة الشعب على ثرواته الاقتصادية، بجانب البعد السياسي.
وجاءت الخطوط الإصلاحية في عشر نقاط أساسية هي:
- إجراء تعديل دستوري شامل، حدد البرنامج ملامحه في تأسيس جمهورية برلمانية، وانتخاب رئيس الجمهورية بالانتخاب السري العام المباشر من بين أكثر من مرشح وإعادة النظر في المادة 76، وتقليص سلطات رئيس الجمهورية وألا تزيد مدة ولايته عن دورتين فقط.
- تحقيق استقلال السلطة القضائية وإلغاء كافة