ليس منطقياً أن تتشارك حركتا "فتح" و"حماس" في تشكيل حكومة فلسطينية موحدة، لأن لكل منهما برنامجاً سياسياً مختلفاً كليّاً عن الأخرى، من حيث الوسائل، عدا عن عدم وجود هدف محدد المعالم لحركة "حماس"، رغم التغير الكبير في لهجة ومحتوى الخطاب "الحمساوي"، بما يشي بالاستعداد للقبول بالبرنامج الوطني الفلسطيني الذي أقر من قبل المجلس الوطني الفلسطيني لمنظمة التحرير الفلسطينية، عام 1988 في الجزائر، والذي عارضته وهاجمته بقسوة إعلامياً وسياسياً وعسكريّاً، وساهمت جزئياً في إفشاله وذلك في سنوات ما قبل صعودها إلى السلطة. وعدم المنطقية يأتي في أنّه لا يمكن المواءمة بين برنامجي الحركة، فإذا كانت "فتح" ستتفاوض فمن الذي سيطبق المفاوضات؟ ثم هل يعقل أن تقبل إسرائيل بالتفاوض مع الأقليّة في الحكومة؟ وحتى خيارات أن تقوم "منظمة التحرير" ومؤسسة الرئاسة الفلسطينية ممثلة بمحمود عباس بالتفاوض لا تبدو منطقية سوى في إطار أن يتم التوصل إلى اتفاق ليطرح في سياق انتخابات جديدة فلسطينياً أو في إطار استفتاء، لأنّ تطبيق أي اتفاق هو مسؤولية الأجهزة التنفيذية الفلسطينية التي هي الآن بيد "حماس".
لقد تشكلت الحكومة الفلسطينية الآن وبدأت المواقف الدولية التي تعاقب الشعب الفلسطيني على خياره الديمقراطي، والتحدي بكل تأكيد للشعب الفلسطيني ككل ولقيادته الموزعة الآن بين "فتح" و"حماس". والتحديات تتعدى موضوع المفاوضات إلى عدة قضايا أهمها، معارك التمويل والمساعدات الدولية، والإعلام والدبلوماسية، وإعادة ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني. وكلّها يمكن أن تشكل قاعدة للتنسيق والعمل المشترك إذا ما تذكر الطرفان أنّهما حركتا تحرر وتخليا عن نهج البحث عن المكاسب السياسية الضيقة. وبقدر ما يثير تغير خطاب "حماس" السياسي وقبولها الضمني الآن بما عارضته بواسطة العمليات الاستشهادية والمقاومة في أواسط التسعينيات، من استغراب، ويجب أن يدعو لمحاسبة تاريخية لأن الشعب الفلسطيني دفع ثمنه غالياً عندما كانت عمليّات "حماس" تأتي لإفشال أي تقدم في العملية السياسية آنذاك، بقدر ما يأتي خطابها المشكك بفاعلية وكفاءة وأهليّة "منظمة التحرير" كآلية وإطار عمل للشعب الفلسطيني في الداخل والمنفى منطقيّة ومبررة. ومطلب إعادة بناء "منظمة التحرير" مطلب شرعي، بقدر ما يرقى التشكيك بشرعية ووحدانية تمثيلها إلى درجة هزيمة الذات، ودرجة تحطيم المنجزات الوطنية التاريخية، لذا فمهمة التنسيق الأولى بين الحركتين هي تأكيد فاعلية وشرعية المنظمة.
كذلك الأمر بالنسبة للأموال والدعم العربي والدولي، فبقدر ما مارست "فتح" و"حماس" في الماضي سياسة تجيير المساعدات الإنسانية والاجتماعية لحشد الأنصار وكسب التأييد، بقدر ما يتوجب عليهما حالياً التعامل مع القضية بصفتها قضية تحرر وطني، يساعدهما في ذلك أن الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس يبرهن يومياً على إيمانه العملي والعالي بالمؤسسية وبإعلاء المصلحة الوطنية فوق المصلحة "الفصائلية"، مما يجعل توزيع أدوار مُحكماً بهذا الشأن أمراً منطقياً ومبرراً. كما أن "حماس" أمامها فرصة لإثبات أنها منزّهة عن الفساد سواء ما اتخذ شكل الفساد المباشر أو الفساد من خلال "الفصائلية" واستخدام قوت الشعب لحشد التأييد السياسي. ففي نهاية الأمر المطلوب في الموضوع المالي تأمين مطالب الشعب بغض النظر عن القناة والآلية، لذا فإنّ تنشيط دور مؤسسة الرئاسة وتنشيط آلية المساعدات المباشرة من الدول المانحة للشعب عبر مؤسساته المختلفة أمر يمكن تنشيطه وفق سياسة منسقة ومركزية، ليكون البند الثاني على أجندة التنسيق بين الحركتين، وهو جزء من معركة التحرير.
الشق الثالث الذي لابد من تنسيقه هو الدبلوماسية والإعلام الدوليان، فعلى "حماس" الإقرار بأنّ منظمة التحرير هي الجهاز المعني بالدرجة الأولى بالتمثيل الدبلوماسي، وعلى قيادة المنظمة أن تعترف بقصور أداء المنظمة وحاجتها لإعادة الهيكلة وإلى عطاء "حماس" دورها ومكانتها في التمثيل, تمهيداً لحركة دبلوماسية نشطة محورها رفض مقولة إسرائيل بعدم وجود شريك في العملية السياسية، ومواجهة الإجراءات والحلول الأحادية الجانب، ورفض وسم النضال الفلسطيني بالإرهاب.