تناولت ندوة علمية -ضمن مهرجان الدوحة الثقافي الخامس- موضوع مستقبل الديمقراطية في دول مجلس التعاون. ولقد ناقش ستةٌ من أبناء المجلس تجارب الإصلاح في بلدان المجلس الستة!
السؤال الذي خرج على هؤلاء من الحضور هو: هل توجد ديمقراطية في دول المجلس حتى نتحدث عن مستقبلها؟ حيث أشار البعض إلى أن جميع أنظمة الحكم في دول المجلس لم تمارس الديمقراطية بصورتها المعروفة، اللهم إلا دولة الكويت.
كما أن التاريخ لم يشهد إقامة دول ديمقراطية، وصار هنالك توافق "عشائري" أو قبلي فرضته قوة القبائل، ما هيأ الأرضية لقيام نظم وراثية منذ القرن التاسع عشر.
الأطروحات التي قدمها ستة من أبناء المجلس، تناول بعضها سرداً تاريخياً لقيام الدولة، أو الخطوات نحو مأسسة الدولة. وتحدث البعض عن "صورية" بعض ممثلي الشعب، أي عدم وجود التمثيل الحقيقي للشعب، ذلك أن مجالس الشورى -فيما سبق- كانت مثل "الديكورات" السياسية، أي لا تعترض على الحكومة، ولا تقدم المشاريع، بل ولا تلتزم الحكومة بأخذ رأيها! لذلك لم تكن ممثلاً حقيقياً أو مراقباً حقيقياً على الحكومة وأخطائها! وللأسف، كان بعض هذه المجالس يتم اختيار أعضائه للميزان أو التوازن، وليس على أساس الكفاءة، ووجد بين أعضاء هذه المجالس من لا يكتب إلا توقيعه الذي حفظه من أجل التوقيع على الشيكات.
وقد نلوم بعض الأنظمة التي اعتمدت الانغلاق وصورة الحكم -الذي لا يمكن أن يعارضه أحد- ولكن هنالك من الأنظمة ما وجدت فيها بعض ملامح التعددية، بحكم التعليم ودرجة وعي المجتمع. وهذا ما أفرز نتائج سلبية اليوم، حتى مع وجود الدساتير الحديثة، أو اتجاه الدول للانتخابات مباشرة، والتي يختلط فيها النواب المنتخبون شرعياً مع هؤلاء المعينين من حيث قد يحدث نوع من التوازن أو التحالف مع الحكومة لتمرير مشروعاتها.
تناول بعض المحاضرين النزاعات التي طرأت أحياناً بين الشعب والحكومة، إثر خلافات عقائدية وإدارية، وطرحت مسألة الأقليات والأغلبية، كما طرح موضوع توزيع الثروات. ولقد تردد بعض الباحثين من الولوج إلى هذا الموضوع الحسّاس، لكن البعض الآخر آثر عدم إخفاء رأسه في الرمل، وطالب الحكومات بعدالة توزيع الثروة، واستحداث جهاز رقابة مالية محايد ونزيه، وبعيداً عن الوزير أو من حوله.
تناول بعض المحاضرين مسألة "الكوتا" في الانتخابات، وعملية المناطق، وطالب البعض بإلغاء مسألة "الكوتا"، وجعل الانتخابات مباشرة لجميع السكان. ذلك أن "الكوتا" تجزئ المجتمع وتثير الطائفية وتعزز الانشقاق بين أفراد المجتمع.
قضية الإقصاء كانت أيضاً محلّ نقاش، وكيف تعاملت الدول مع الليبراليين، أو الإصلاحيين، وكيف أن بعض هذه الدول أقصت وبإمعان بعض الرموز الإصلاحية، لأنها انتقدت مسار بعض الحكومات الخاطئ. وها هي بعض الحكومات الجديدة تُصحح المسار، وتعلن صحة نظرية "المقصيين" دون ذنب سوى حبهم للصالح العام.
الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي عبدالرحمن العطية، كان قد خاطب الندوة بكلمة مطولة، مؤيداً التوجه الديمقراطي لدول المجلس، ومشيداً بالإصلاحات السياسية. وهذه هي المرة الأولى التي يشهد فيها محفلٌ رسمي هذا التلاقي بين أمانة مجلس التعاون ورموز إصلاحية خليجية، وتكون الصراحة والشفافية موجودة في المكان. وكان الأمل أن ينقل الأمين العام لمجلس التعاون آمال وملاحظات أبناء الخليج إلى أصحاب الجلالة والسمو حكام دول المجلس، بحيث تكون الأمانة العامة لمجلس التعاون القناة الأصلح لنقل تلك الآمال والطموحات التي يود القادة سماعها، بدلاً من طرحها في الإعلام أو الصحف الصفراء الصادرة في العواصم الأوروبية.
نحن نعتقد أن بعض الرؤى المترددة والرسمية جداً، التي طرحت في الندوة المذكورة، لن تفيد في تحريك الجامد في المسألة الإصلاحية في الخليج. بل إن الآراء الجادة والمُنتقدة لبطء سير العملية الديمقراطية، والموضحة لأسباب تردي العلاقة بين الحكومة والمعارضين المستترين، أو الليبراليين أو الإسلاميين، هي التي يجب أن تصل إلى قادة دول المجلس.
لقد وصلت التفجيرات قبل فترة إلى آبار النفط، كما وصل الحال إلى عمليات اعتصام في المحال التجارية في بعض عواصم المجلس، كما أن هنالك أصواتاً "مخنوقة" لا تصل إلى الإعلام أو إلى قصر الحكم! كما أن هنالك مطالبات بعدالة اجتماعية أكثر، وتحقيق مستوى المعيشة الأدنى للمواطن! وما لم تلتفت الدول إلى الواقع الحالي.. والمتمثل فيما سبق، وما يطرحه الإرهابيون أو الذين يسيرون في مراكبهم من تحديات، فإن الأوضاع في المنطقة لن تكون هادئة، خصوصاً في ظل تنامي الدعوات الدولية المطالبة بحقوق الإنسان.
لم تصدر عن الندوة المذكورة توصيات محددة، ذلك أن الهدف هو تشريح الوضع القائم، وبودّنا لو قامت الأمانة العامة لمجلس التعاون بنسخ أوراق العمل التي قدمها الباحثون، وتلخيصها لاجتماع وزراء الخارجية القادم، لكي يكون الإصلاح السياسي في المجلس على أجندة القادة في اجتماعهم القادم في شهر ديسمبر.
أبناء الخليج طيبون مسالمون ويستحقون الرعاية وعين