من المعروف أن دولة الإمارات تأتي في طليعة الدول العربية من حيث معدلات النفاذ إلى شبكة المعلومات الدولية "الإنترنت"، وتتوقع بعض الدراسات أن يصل عدد مشتركي "الإنترنت" في الدولة عام 2009 إلى نحو ثلاثة ملايين مشترك، وهناك دراسات أجريت بين الشباب المواطنين وكشفت عن أن نحو 65% من أفراد العينة يستخدمون "الإنترنت" بشكل يومي، وهناك دراسات أخرى طرحت تساؤلات عن نظرة الشباب المواطنين إلى "الإنترنت"، وهل يمثل وسيلة تسلية وترفيه أم رافداً معلوماتياً مهماً، أم هو خليط من الاثنين؟ ولكنها لم تذهب إلى حد تقديم ردود شافية عن هذه التساؤلات الحيوية.
وفي جميع الأحوال، فإننا بصدد واقع يلمسه الجميع، وهو انتشار "الإنترنت" بشكل هائل في الدولة، ولكن العنصر الغائب عن هذا الانتشار هو دراسات تأثير هذا التطور في المجتمع، سواء لجهة التنشئة السياسية والثقافية أو تأثير شبكة المعلومات الدولية وما يبث من خلالها في المنظومة القيمية للأفراد والجماعات. ودراسة هذه التأثيرات ليست فكرة طارئة أو جديدة بل سبقت إليها جامعات غربية أنشأت معاهد متخصصة في دراسة تأثيرات "الإنترنت" في المجتمع.
وأهمية هذا الاتجاه أن "الإنترنت" بات ساحة للسجالات السياسية والفكرية والدينية وبات أيضا ميدانا تتحرك فيه التيارات المتطرفة وتنشر أفكارها من دون ضوابط أو رقابة، فضلا عن انتشار "الإنترنت" كوسيلة تستخدم في التجارة الإلكترونية وأسواق الأسهم والتعليم وغير ذلك من مجالات لم تزل تأثيراته فيها غير معروفة، ولكنها تبدو في ملامحها العامة انقلاباً في المفاهيم وأدوات ووسائل التعامل بين البشر. كما أن انتشار "الإنترنت" يطرح تحديات في مجالات أمن المعلومات وحقوق الملكية الفكرية وغير ذلك من قضايا تتطلب دراسات منهجية معمّقة، على اعتبار أن إجراء هذه الدراسات محاولة للاقتراب من عالم الأجيال الجديدة والتعرف إلى مفردات هذا العالم ومحركاته والعوامل المؤثرة فيه وفتح قنوات حوار معه والاستماع إلى همومه ومشكلاته، بدلا من الاكتفاء بالاستغراب من سلوكيات أو ملابس المراهقين والشباب في المراكز التجارية وساحات الترفيه والألعاب المنتشرة في مدننا.
ما يفرض ضرورة دراسة تأثيرات "الإنترنت" في شبابنا أن أي دراسات تجرى في الغرب لن تكون مفيدة كثيرا بالنسبة إلينا، سواء لاختلاف البيئة الثقافية والمؤثرات الاجتماعية ومنظومة القيم والعادات السائدة، أو لاختلاف الأطر المفاهيمية والمعرفية، وبالتالي فإن أي استنتاجات قد لا تكون بالضرورة مطابقة أو صالحة لتفسير تأثيرات شبكة المعلومات في أجيالنا الشابة. أضف إلى ذلك أن الدراسات التي تتحدث عن تنامي ما يعرف بظاهرة "إدمان الإنترنت" تتطلب تعاطياً جاداً مع هكذا ظواهر اجتماعية تبدو في نظر الكثيرين قضية غير ذات بال، ولكنها في حقيقة الأمر مسألة حيوية. وإذا كنا بصدد الاستفادة من مهارات الشباب في ارتياد عالم "الإنترنت"، فإن الصين -على سبيل المثال- نجحت في تحويل ألعاب الكمبيوتر من هواية إلى مصدر دخل لنحو 24 مليون مستخدم، في حين تراهن سنغافورة على تشجيع شبابها والزج بهم في المسابقات الدولية لألعاب الكمبيوتر كوسيلة لدعم صناعة ألعاب الكمبيوتر بالجزيرة، والمحرك في الحالات جميعها هو رعاية المواهب وإشراك الجميع في التنمية.
عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للبحوث والدراسات الاستراتيجية